وقوله - تعالى - : { والقمر إِذَا تَلاَهَا } أى : تبعها ، تقول : فلان تلا فلانا يتلوه ، إذا تبعه ، قال بعض العلماء : فأما أن القمر تابع للشمس فيحتمل معنيين : أحدهما : أنه تال لها فى ارتباط مصالح الناس ، وتعلق منافع هذا العالم بحركته ، وقد دل علم الهيئة على أن بين الشمس والقمر من المناسبة ما ليس بين غيرهما من الكواكب . وثانيهما : أن القمر يأخذ نوره ويستمده من نور الشمس . وهذا قول الفراء قديما ، وقد قامت الأدلة عند علماء الهيئة والنجوم ، على أن القمر يستمد ضوءه من الشمس . .
وقال الشيخ ابن عاشور : وفى الآية إشارة إلى أن نور القمر ، مستفاد من نور الشمس ، أى : من توجه أشعة الشمس إلى ما يقابل الأرض من القمر ، وليس نيرا بذاته ، وهذا إعجاز علمى من إعجاز القرآن . .
وقوله : وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها يقول تعالى ذكره : والقمر إذا تَبِع الشمس ، وذلك في النصف الأوّل من الشهر ، إذا غُرِبت الشمسَ ، تلاها القمر طالعا . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وَالقَمَرِ إذَا تَلاها قال : يتلو النهار .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الملك ، عن قيس بن سعد ، عن مجاهد ، قوله : وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها يعني : الشمس إذا تبعها القمر .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها قال : تبعها .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها يتلوها صبيحة الهلال فإذا سقطت الشمس رُؤي الهلال .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها قال : إذا تلاها ليلة الهلال .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : والشّمْسِ وَضُحاها وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها قال : هذا قسم ، والقمر يتلو الشمس نصف الشهر الأوّل ، وتتلوه النصف الاَخر ، فأما النصف الأوّل فهو يتلوها ، وتكون أمامه وهو وراءها ، فإذا كان النصف الاَخر كان هو أمامها يقدمها ، وتليه هي .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يعني إذا تبعها [ الشمس ] يسير من خلفها ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
والقمر إذا تَبِع الشمس ... إذا غربت الشمس ، تلاها القمر طالعا ....
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فجائز أن يتلوها في كل ما ذكرنا في الشمس من المنافع والمعاني ، فيكون تاليها في العمل ، فإنه يقع به صلاح الأغذية أيضا ، وهو يدبر أيضا . إلا أنه لا ينتهي منتهاها ، ولا يبلغ مبلغها ، والله أعلم . وقال بعضهم : { إذا تلاها } أي يتلوها في أول ما يهل ، فإنه إذا وجبت الشمس في آخر اليوم من الشهر إلى غروبها بدا طلوع الهلال . وقال بعضهم : إنه يتلوها إذا صار بدرا ، وفي هذا دلالة أن منشئهما واحد لأن منافعهما تعم الخلق جميعا . ولو لم يكن مدبرهما واحدا لكانت لا تعم ، بل يمنع كل واحد منهما الآخر عن إيصال النفع إلى قوم عدوه . ...
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
تبعها فأخذ من ضوئها وسار خلفها...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
قسم آخر بالقمر وتلوه الشمس ووجه الدلالة من جهة تلو القمر للشمس من جهة المعاقبة على أمور مرتبة في النقصان والزيادة ، لأنه لا يزال ضوء الشمس ينقص إذا غاب جرمها ، ويقوى ضوء القمر حتى يتكامل كذلك دائبين ، تسخيرا من الله للعباد بما ليس في وسعهم أن يجروه على شيء من ذلك المنهاج . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ والقمر } أي المكتسب من نورها كما أن أنوار النفوس من أنوار العقول { إذا تلاها } أي تبعها في الاستدارة والنور بما دل على أن نوره من نورها من القرب الماحق لنوره والبعد المكتسب له في مقدار ما يقابلها من جرمه ، ولا يزال يكثر إلى أن تتم المقابلة فيتم النور ليلة الإبدار عند تقابلهما في أفق الشرق والغرب ، ومن ثم يأخذ في المقاربة فينقص بقدر ما ينحرف عن المقابلة ، ونسبة التبع إليه مجازية أطلقت بالنسبة إلى ما ينظر منه كذلك . ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وفي الآية إشارة إلى أن نور القمر مستفاد من نور الشمس ، أي من توجه أشعة الشمس إلى ما يقابل الأرض من القمر ، وليس نيّراً بذاته ، وهذا إعجاز علمي من إعجاز القرآن وهو مما أشرت إليه في المقدمة العاشرة . وابتدئ بالشمس لمناسبة المقام إيماء للتنويه بالإِسلام لأن هديه كنور الشمس لا يترك للضلال مسلكاً ، وفيه إشارة إلى الوعد بانتشاره في العالم كانتشار نور الشمس في الأفق ، واتبع بالقمر لأنه ينير في الظلام كما أنار الإِسلام في ابتداء ظهوره في ظلمة الشرك ، ثم ذكر النهار والليل معه لأنهما مثل لوضوح الإسلام بعد ضلالة الشرك وذلك عكس ما في سورة الليل لما يأتي . ومناسبة استحضار السماء عقب ذكر الشمس والقمر ، واستحضار الأرض عقب ذكر النهار والليل ، واضحة ، ثم ذكرت النفس الإنسانية لأنها مظهر الهدى والضلال وهو المقصود .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.