معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلۡفَتۡحُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (28)

قوله تعالى : { ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين } قيل : أراد بيوم الفتح يوم القيامة الذي فيه الحكم بين العباد ، قال قتادة : قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم للكفار : إن لنا يوماً نتنعم فيه ونستريح ويحكم بيننا وبينكم ، فقالوا استهزاءً : متى هذا الفتح ؟ أي : القضاء والحكم ، وقال الكلبي : يعني فتح مكة . وقال السدي : يوم بدر لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون لهم : إن الله ناصرنا ومظهرنا عليكم ، فيقولون متى هذا الفتح .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلۡفَتۡحُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (28)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَقُولُونَ مَتَىَ هََذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ الّذِينَ كَفَرُوَاْ إِيَمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنّهُمْ مّنتَظِرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وَيَقُولُونَ هؤلاء المشركون بالله يا محمد لك مَتى هَذَا الْفَتْحُ . واختلف في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : متى يجيء هذا الحكم بيننا وبينكم ، ومتى يكون هذا الثواب والعقاب . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الفَتْحُ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قال : قال أصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم : إن لنا يوما أوشك أن نستريح فيه وننعم فيه ، فقال المشركون مَتى هَذَا الفَتْحُ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ .

وقال آخرون : بل عنى بذلك : فتح مكة .

والصواب من القول في ذلك قول من قال : معناه : ويقولون متى يجيء هذا الحكم بيننا وبينكم ، يعنون العذاب ، يدلّ على أن ذلك معناه قوله : قُلْ يَوْمَ الفَتْحِ لا يَنْفَعُ الّذِينَ كَفَرُوا إيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ولا شكّ أن الكفار قد كان جعل الله لهم التوبة قبل فتح مكة وبعده ، ولو كان معنى قوله مَتى هَذَا الفَتْحُ على ما قاله من قال : يعني به : فتح مكة ، لكان لا توبة لمن أسلم من المشركين بعد فتح مكة ، ولا شكّ أن الله قد تاب على بشر كثير من المشركين بعد فتح مكة ، ونفعهم بالإيمان به وبرسوله فمعلوم بذلك صحة ما قلنا من التأويل ، وفساد ما خالفه . وقوله : إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ يعني : إن كنتم صادقين في الذي تقولون من أنا معاقبون على تكذيبنا محمدا صلى الله عليه وسلم ، وعبادتنا الاَلهة والأوثان .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلۡفَتۡحُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (28)

يجوز أن يكون عطفاً على جملة { ثم أعرض عنها } [ السجدة : 22 ] ، أي : أعرضوا عن سماع الآيات والتدبر فيها وتجاوزوا ذلك إلى التكذيب والتهكم بها . f ومناسبة ذكر ذلك هنا أنه وقع عقب الإشارة إلى دليل وقوع البعث وهو يوم الفصل . ويجوز أن يعطف على جملة { وقالوا أإذا ضَلَلْنا في الأرض إنّا لفي خلق جديد } [ السجدة : 10 ] .

والمعنى : أنهم كذبوا بالبعث وما معه من الوعيد في الآخرة وكذّبوا بوعيد عذاب الدنيا الذي منه قوله تعالى : { ولنُذِيقَنَّهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر } [ السجدة : 21 ] .

و { الفتح : النصر والقضاء . والمراد به : نصر أهل الإيمان بظهور فوزهم وخيبة أعدائهم فإن خيبة العدوّ نصر لضِده وكان المسلمون يتحدّون المشركين بأن الله سيفتح بينهم وينصرهم وتظهر حجتهم ، فكان الكافرون يكررون التهكم بالمسلمين بالسؤال عن وقت هذا الفتح استفهاماً مستعملاً في التكذيب حيث لم يحصل المستفهم عنه . وحكاية قولهم بصيغة المضارع لإفادة التعجيب منه كقوله تعالى : { يجادلنا في قوم لوط } [ هود : 74 ] مع إفادة تكرر ذلك منهم واتخاذهم إياه . والمعنى : إن كنتم صادقين في أنه واقع فبينوا لنا وقته فإنكم إذ علمتم به دون غيركم فلتعلموا وقته . وهذا من السفسطة الباطلة لأن العلم بالشيء إجمالاً لا يقتضي العلم بتفصيل أحواله حتى ينسب الذي لا يعلم تفصيله إلى الكذب في إجماله .

واسم الإشارة في { هذا الفتح } مع إمكان الاستغناء عنه بذكر مبينهِ مقصود منه التحقير وقلة الاكتراث به كما في قول قيس بن الخطيم :

متى يأت هذا الموتُ لا يلف حاجة *** لنفسي إلا قَدْ قضيت قضاءها

إنباء بقلة اكتراثه بالموت ومنه قوله تعالى حكاية عنهم : { أهذا الذي يذكر ءالهتكم } [ الأنبياء : 36 ] .