التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلۡفَتۡحُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (28)

{ إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون 25 أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون ( 26 ) أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون ( 27 ) ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ( 28 ) قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون ( 29 ) فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ( 30 ) } [ 25-20 ] .

في الآيات :

1- تقرير تطميني للنبي والمؤمنين وإنذاري للكفار بأن الله سيفصل بين الناس يوم القيامة في ما اختاروه من الطرق المختلفة ؛ حيث يحق الحق ويؤيد أهله ويزهق الباطل ويخذل أصحابه .

2- وتساؤل إنكاري يتضمن التنديد بالكفار عما إذا لم يكن قد بان لهم وهداهم ووعظهم ما أهلكه الله قبلهم من القرون والأجيال الكثيرة الذين يعيشون ويمشون في مساكنهم ، ففي ذلك موعظة كافية لمن يسمع ويعي فهل فقدوا السمع فلا يسمعون .

3- وتساؤل استنكاري آخر يتضمن التنديد بالكفار أيضا عما إذا لم يروا بأعينهم أن الله تعالى يرسل الماء إلى الأرض الجافة اليابسة فيخرج به زرعا يأكلونه هم وأنعامهم . وفي هذا من الدلالة على قدرة الله ما فيه الكفاية . فهل فقدوا الإبصار فلا يبصرون .

4- وحكاية لما يتكرر صدوره منهم من التساؤل الاستخفافي عن موعد تحقيق ما يوعدون به من البعث والحساب إن كان صدقا . وأمر للنبي بإجابتهم تتضمن الإنذار والتوكيد معا بأن ذلك آت في اليوم الذي هو في علم الله وأن إيمان الكافرين في ذلك اليوم وندمهم لن يجدياهم ولن يكون لهم إمهال وفرصة أخرى .

5- وأمر آخر للنبي بأن يذرهم وما هم فيه من ضلال ويعرض عنهم ولا يبالي بموقفهم منتظرا حكم الله وأمره . فهم أيضا منتظرون ذلك مصرّون على غيّهم وعنادهم .

6- والآيات متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا أيضا . وقد جاءت ختاما للسورة . وأسلوب الختام مماثل لأسلوب ختام سور عديدة .

وقد يمكن أن تكون الآية الأولى تعني بني إسرائيل كما يمكن أن تعني الكفار أو تعني الناس عامة . وقد رجحنا أنها تعني الكفار ؛ لأن الضمير فيها مماثل للضمائر التي في الآيات التالية لها والتي يظهر أنها تعني الكفار بجلاء . وهو ما جعلنا نعرضها مع هذه الآيات . وفي حال صحة احتمال صلتها بالآية التي سبقتها فيكون فيها تقرير لواقع اختلافات بني إسرائيل فيما بينهم مما قررته آيات عديدة مكية ومدنية مرت أمثلة منها .

والآية الثانية تنطوي على توكيد جديد بكون سامعي القرآن يعرفون البلاد التي أهلكها الله من قبلهم بسبب كفرهم معرفة مشاهدة ويعرفون أخبارها السابقة . وهو ما أكدته آيات عديدة مر بعضها ، ومن ذلك ما ورد فيه هذا بصراحة حاسمة مثل آيات سورة الصافات هذه : { وإن لوطا لمن المرسلين 133 إذ نجيناه وأهله أجمعين 134 إلا عجوزا في الغابرين 135 ثم دمرنا الآخرين 136 وإنكم لتمرون عليهم مصبحين 137 وبالليل أفلا تعقلون 138 } وآية سورة العنكبوت هذه : { وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين 38 } .

وكلمة { الفتح } جاءت في القرآن بمعنى الحكم والقضاء كما جاء في آية سورة الأعراف هذه : { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين } [ 89 ] وآية سورة سبأ هذه { قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم26 } وجاءت بمعنى النصر والانتصار على العدو كما جاءت في سورة الفتح { إنا فتحنا لك فتحا مبينا 1 } وآية سورة النساء هذه { الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم } [ 141 ] .

ولقد تعددت روايات المفسرين في ما تعنيه الفتح هنا ؛ حيث حكت الآية الرابعة تساؤل الكفار عنه بأسلوب السخرية والاستخفاف وحيث أنذرهم القرآن بالذل والخزي والعذاب فيه . منها أنه فتح مكة أو نصر بدر . ومنها أنه يوم القيامة . والقول الأخير هو الأوجه على ما تلهم الآية الخامسة التي ردت عليهم وأنذرتهم بأن إيمانهم يوم الفتح لن يجديهم ولن يكون لهم فيه مهلة أو فرصة أخرى . وهذا إنما يصدق على يوم القيامة كما هو المتبادر . ولقد جارتهم الآية فنعتت هذا اليوم بيوم الفتح ردا على تحديهم واستخفافهم . وهو حقا يوم فتح ونصر على من يبقى كافرا ويموت كافرا .

وأمر النبي بالإعراض عنهم لا يغني أن ينقطع عن إنذارهم ، وإنما هو أسلوبي بقصد تثبيت النبي وتسليته ودعوته إلى عدم الاغتمام لموقفهم . وقد تكرر في مناسبات مماثلة كثيرة مرت أمثلة عديدة منها . ولقد كرر المفسرون القول والروايات في سياق الآية الأخيرة بأنها نسخت بآية السيف . ونكرر ما قلناه في المناسبات السابقة المماثلة بأن ذلك وجيه بالنسبة لمن يبقى على كفره وعدائه .