التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلۡفَتۡحُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (28)

يجوز أن يكون عطفاً على جملة { ثم أعرض عنها } [ السجدة : 22 ] ، أي : أعرضوا عن سماع الآيات والتدبر فيها وتجاوزوا ذلك إلى التكذيب والتهكم بها . f ومناسبة ذكر ذلك هنا أنه وقع عقب الإشارة إلى دليل وقوع البعث وهو يوم الفصل . ويجوز أن يعطف على جملة { وقالوا أإذا ضَلَلْنا في الأرض إنّا لفي خلق جديد } [ السجدة : 10 ] .

والمعنى : أنهم كذبوا بالبعث وما معه من الوعيد في الآخرة وكذّبوا بوعيد عذاب الدنيا الذي منه قوله تعالى : { ولنُذِيقَنَّهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر } [ السجدة : 21 ] .

و { الفتح : النصر والقضاء . والمراد به : نصر أهل الإيمان بظهور فوزهم وخيبة أعدائهم فإن خيبة العدوّ نصر لضِده وكان المسلمون يتحدّون المشركين بأن الله سيفتح بينهم وينصرهم وتظهر حجتهم ، فكان الكافرون يكررون التهكم بالمسلمين بالسؤال عن وقت هذا الفتح استفهاماً مستعملاً في التكذيب حيث لم يحصل المستفهم عنه . وحكاية قولهم بصيغة المضارع لإفادة التعجيب منه كقوله تعالى : { يجادلنا في قوم لوط } [ هود : 74 ] مع إفادة تكرر ذلك منهم واتخاذهم إياه . والمعنى : إن كنتم صادقين في أنه واقع فبينوا لنا وقته فإنكم إذ علمتم به دون غيركم فلتعلموا وقته . وهذا من السفسطة الباطلة لأن العلم بالشيء إجمالاً لا يقتضي العلم بتفصيل أحواله حتى ينسب الذي لا يعلم تفصيله إلى الكذب في إجماله .

واسم الإشارة في { هذا الفتح } مع إمكان الاستغناء عنه بذكر مبينهِ مقصود منه التحقير وقلة الاكتراث به كما في قول قيس بن الخطيم :

متى يأت هذا الموتُ لا يلف حاجة *** لنفسي إلا قَدْ قضيت قضاءها

إنباء بقلة اكتراثه بالموت ومنه قوله تعالى حكاية عنهم : { أهذا الذي يذكر ءالهتكم } [ الأنبياء : 36 ] .