معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡأَبۡرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} (18)

{ كلا } قال مقاتل : لا يؤمن بالعذاب الذي يصلاه . ثم بين محل كتاب الأبرار فقال : { إن كتاب الأبرار لفي عليين } روينا عن البراء مرفوعاً : " إن عليين في السماء السابعة تحت العرش " . وقال ابن عباس : هو لوح من زبرجدة خضراء معلق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيه . وقال كعب ، وقتادة : هو قائمة العرش اليمنى . وقال عطاء عن ابن عباس : هو الجنة . وقال الضحاك : سدرة المنتهى . وقال بعض أهل المعاني : علو بعد علو وشرف بعد شرف ، ولذلك جمعت بالياء والنون . وقال الفراء : هو اسم موضوع على صيغة الجمع ، لا واحد له من لفظه ، مثل عشرين وثلاثين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡأَبۡرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} (18)

القول في تأويل قوله تعالى : { كَلاّ إِنّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلّيّونَ * كِتَابٌ مّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرّبُونَ * إِنّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } .

يقول تعالى ذكره : كَلاّ إنّ كتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ والأبرار : جمع برّ ، وهم الذين برّوا الله بأداء فرائضه ، واجتناب محارمه . وقد كان الحسن يقول : هم الذين لايؤذون شيئا حتى الذّرّ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا هشام ، عن شيخ ، عن الحسن ، قال : سُئل عن الأبرار ، قال : الذين لا يؤذون الذرّ .

حدثنا إسحاق بن زيد الخطابيّ ، قال : حدثنا الفِريابيّ ، عن السريّ بن يحيى ، عن الحسن ، قال : الأبرار : هم الذين لا يؤذون الذرّ .

وقوله : لَفِي عِلّيّينَ اختلف أهل التأويل في معنى عليين ، فقال بعضهم : هي السماء السابعة . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني جرير بن حازم ، عن الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن هلال بن يِساف ، قال : سأل ابن عباس كعبا وأنا حاضر عن العِليين ، فقال كعب : هي السماء السابعة ، وفيها أرواح المؤمنين .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبيد الله ، يعني العَتَكِي ، عن قتادة ، في قوله إنّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ قال : في السماء العليا .

حدثني عليّ بن الحسين الأزديّ ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن أُسامة بن زيد ، عن أبيه ، في قوله : إنّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ قال : في السماء السابعة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : عِلّيّونَ قال : السماء السابعة .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : لَفِي عِلّيّينَ : في السماء عند الله .

وقال آخرون : بل العِلّيون : قائمة العرش اليمنى . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة كَلاّ إنّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ ذُكر لنا أن كعبا كان يقول : هي قائمة العرش اليمنى .

حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد ، قال : حدثنا مُطَرّف بن مازن ، قاضي اليمن ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : إنّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ قال : عِلّيون : قائمة العرش اليمنى .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة فِي عِلّيّينَ قال : فوق السماء السابعة ، عند قائمة العرش اليمنى .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب القُمّي ، عن حفص ، عن شمر ، عن عطية ، قال : جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار ، فسأله ، فقال : حدثني عن قول الله إنّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ . . . الاَية ، فقال كعب : إن الروح المؤمنة إذا قُبِضت ، صُعد بها ، ففُتحت لها أبواب السماء ، وتلقّتها الملائكة بالبُشرَى ، ثم عَرَجوا معها حتى ينتهوا إلى العرش ، فيخرج لها من عند العرش رَقّ ، فيُرقَم ، ثم يختم بمعرفتها النجاة بحساب يوم القيامة ، وتشهد الملائكة المقرّبون .

وقال آخرون : بل عُنِيَ بالعليين : الجَنّة . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله إنّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ قال : الجنة .

وقال آخرون : عند سِدْرة المنتهى . ذكر من قال ذلك :

حدثني جعفر بن محمد البزوريّ من أهل الكوفة ، قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، عن الأجلح ، عن الضحاك قال : إذا قبض رُوح العبد المؤمن عُرج به إلى السماء ، فتنطلق معه المقرّبون إلى السماء الثانية ، قال الأجلح : قلت : وما المقرّبون ؟ قال : أقربهم إلى السماء الثانية ، فتنطلق معه المقرّبون إلى السماء الثالثة ، ثم الرابعة ، ثم الخامسة ، ثم السادسة ، ثم السابعة ، حتى تنتهي به إلى سِدْرة المنتهى . قال الأجلح : قلت للضحاك : لِمَ تسمى سِدْرة المنتهى ؟ قال : لأنه يَنْتهي إليها كلّ شيء من أمر الله لا يعدوها ، فتقول : ربّ عبدك فلان ، وهو أعلم به منهم ، فيبعث الله إليهم بصَكّ مختوم يؤمّنه من العذاب ، فذلك قول الله : كَلاّ إنّ كِتاب الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ وَما أدْرَاكَ ما عِلّيّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ المُقَرّبُونَ .

وقال آخرون : بل عُنِي بالعِلّيين : في السماء عند الله . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : إنّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ يقول : أعمالُهم في كتاب عند الله في السماء .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أن كتاب الأبرار في عِليين والعليون : جمع ، معناه : شيء فوق شيء ، وعلوّ فوق علوّ ، وارتفاع بعد ارتفاع ، فلذلك جُمعت بالياء والنون ، كجمع الرجال ، إذا لم يكن له بناء من واحده واثنيه ، كما حُكِي عن بعض العرب سماعا : أطْعَمَنا مَرَقَة مَرَقَينِ : يعن اللحم المطبوخ كما قال الشاعر :

قَدْ رَوِيَتْ إلاّ الدّهَيْدِ هِينا *** قُلَيّصَاتٍ وأُبَيْكِرِينَا

فقال : وأبيكرينا ، فجمعها بالنون إذ لم يقصد عددا معلوما من البكارة ، بل أراد عددا لا يحدّ آخره ، وكما قال الاَخر :

فأصْبَحَتِ المَذَاهِبُ قَد أذَاعَتْ *** بِها الإعْصَارُ بَعْدُ الْوَابِلِينا

يعني : مطرا بعد مطر غير محدود العدد ، وكذلك تفعل العرب في كلّ جمع لم يكن بناء له من واحده واثنيه ، فجمعه في جميع الإناث ، والذكران بالنون على ما قد بيّنا ، ومن ذلك قولهم للرجال والنساء : عشرون وثلاثون . فإذا كان ذلك كالذي ذكرنا ، فبّينٌ أن قوله : لَفِي عِلّيّينَ معناه : في علوّ وارتفاع ، في سماء فوق سماء ، وعلوّ فوق علوّ ، وجائز أن يكون ذلك إلى السماء السابعة ، وإلى سدرة المنتَهى ، وإلى قائمة العرش ، ولا خبر يقطع العذر بأنه معنيّ به بعضُ ذلك دون بعض .

والصواب أن يقال في ذلك ، كما قال جلّ ثناؤه : إن كتاب أعمال الأبرار لفي ارتفاع إلى حدّ قد علم الله جلّ وعزّ منتهاه ، ولا علم عندنا بغايته ، غير أن ذلك لا يَقْصُر عن السماء السابعة ، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡأَبۡرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} (18)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"كَلاّ إنّ كتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ "والأبرار: جمع برّ، وهم الذين برّوا الله بأداء فرائضه، واجتناب محارمه...

وقوله: "لَفِي عِلّيّينَ" اختلف أهل التأويل في معنى عليين؛

فقال بعضهم: هي السماء السابعة...

وقال آخرون: بل العِلّيون: قائمة العرش اليمنى...

وقال آخرون: بل عُنِيَ بالعليين: الجَنّة...

وقال آخرون: عند سِدْرة المنتهى...

وقال آخرون: بل عُنِي بالعِلّيين: في السماء عند الله...

والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن كتاب الأبرار في عِليين، والعليون: جمع، معناه: شيء فوق شيء، وعلوّ فوق علوّ، وارتفاع بعد ارتفاع، فلذلك جُمعت بالياء والنون، كجمع الرجال، إذ لم يكن له بناء من واحده واثنيه... فإذا كان ذلك كالذي ذكرنا، فبّينٌ أن قوله: "لَفِي عِلّيّينَ" معناه: في علوّ وارتفاع، في سماء فوق سماء، وعلوّ فوق علوّ، وجائز أن يكون ذلك إلى السماء السابعة، وإلى سدرة المنتَهى، وإلى قائمة العرش، ولا خبر يقطع العذر بأنه معنيّ به بعضُ ذلك دون بعض.

والصواب أن يقال في ذلك، كما قال جلّ ثناؤه: إن كتاب أعمال الأبرار لفي ارتفاع إلى حدّ قد علم الله جلّ وعزّ منتهاه، ولا علم عندنا بغايته، غير أن ذلك لا يَقْصُر عن السماء السابعة، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ذكر الأبرار ههنا مقابل الفجار في الأول، ثم بين الفجار أنهم المكذبون بيوم الدين، وذلك أول منازل الكفرة، فإذا أريد بالفجار الكفار، وأريد بالأبرار الذين آمنوا، فلذلك قال: {إن الأبرار} هم المؤمنون، والبر، وهو الذي يكثر منه تعاطي فعل البر، يسمى بارّا إذا كثر منه البر، والفاجر، هو الذي يكثر منه فعل الفجور. فجائز أن يكون الوعيد في الذين بلغوا في الفجور غايته، ويكون حكم من دونهم متروكا ذكره، فيوصل إلى معرفة حكمه بالاستدلال، ويكون الوعد في الذين أكثروا أفعال البر، ويكون حكم من دونهم معروفا بغيره من الأدلة...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

(إن كتاب الابرار لفي عليين) أي مراتب عالية محفوفة بالجلالة، فقد عظمها الله تعالى بما يدل على عظم شأنها في النعمة...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

{عِلِّيِّينَ} أعلى الأمكنة، تحمل إليه أرواح الأبرار تشريفاً لهم وإجلالاً...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{كَلآ} ردع عن التكذيب. وكتاب الأبرار: ما كتب من أعمالهم. وعليون: علم لديوان الخير الذي دوّن فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين، منقول من جمع «عليّ» فعيل من العلو كسجين من السجن، سمي بذلك إمّا لأنه سبب الارتفاع إلى أعالي الدرجات في الجنة.. وإمّا لأنه مرفوع في السماء السابعة... تكريماً له وتعظيماً..

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

واعلم أن المعتمد في تفسير هذه الآية ما بينا أن العلو والفسحة والضياء والطهارة من علامات السعادة، والسفل والضيق والظلمة من علامات الشقاوة، فلما كان المقصود من وضع كتاب الفجار في أسفل السافلين، وفي أضيق المواضع إذلال الفجار وتحقير شأنهم، كان المقصود من وضع كتاب الأبرار في أعلى عليين، وشهادة الملائكة لهم بذلك إجلالهم وتعظيم شأنهم، وفي الآية وجه آخر، وهو أن المراد من الكتاب الكتابة، فيكون المعنى أن كتابة أعمال الأبرار في عليين، ثم وصف عليين بأنه كتاب مرقوم فيه جميع أعمال الأبرار، وهو قول أبي مسلم...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{كَلاَّ} ليست المسألة كما تتصوّرون في احتقار مستقبل الأبرار المؤمنين من خلال احتقارهم لموقعهم الاجتماعي، في نظرتكم الاستعلائية إليهم على أساس واقع الاستكبار الذي كنتم ترون فيه ذروة التحدي للآخرين. {إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} لأن طبيعة البرّ في معناها المطلق تمثل الطاعة لله في فعل الخير كله، لتلتقي بما توحي به كلمة «علّيّين» في الحصول على درجة العلوّ والرفعة لديه...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

«عليّين»: جمع (عليّ) على وزن (ملّي)، وهو المكان المرتفع، أو الشخص الجالس في مكان مرتفع، ويطلق أيضاً على ساكني قمم الجبال. وقد فُسِّر في الآية ب (أشرف الجنان) أو (أعلى مكان في السماء). وقيل: إنّما استعمل اللفظ بصيغة الجمع للتأكيد على معنى (العلو في علو)...

وذهب قسم من المفسّرين إلى أنّ ال «كتاب» هنا يرمز لمعنى (المصير)، أو (الحكم القطعي الإلهي) بخصوص نيل الصالحين درجات الجنّة العلُى. ولا يضرّ من الجمع بين التّفسيرين، فأعمال الأبرار مجموعة في ديوان عام، ومحل ذلك الديوان في أعلى نقطة من السماء، ويكون الحكم والقضاء الإلهي كذلك مبنيٌّ على كونهم في أعلى درجات الجنّة...