الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡأَبۡرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} (18)

أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه { كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين } قال : عليون فوق السماء السابعة عند قائمة العرش اليمنى { كتاب مرقوم } قال : رقم لهم بخير { يشهده المقربون } قال : المقربون من ملائكة الله .

وأخرج عبد بن حميد عن كعب رضي الله عنه قال : هي قائمة العرش اليمنى .

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه قال : عليون السماء السابعة .

وأخرج عبد بن حميد من طريق الأجلح عن الضحاك رضي الله عنه قال : إذا قبض روح العبد المؤمن يعرج به إلى السماء الدنيا ، فينطلق معه المقربون إلى السماء الثانية . قال الأجلح : فقلت : وما المقربون ؟ قال : أقربهم إلى السماء الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة حتى ينتهي به إلى سدرة المنتهى . فقال الأجلح : فقلت للضحاك : ولم تسمى سدرة المنتهى ؟ قال : لأنه ينتهي إليها كل شيء من أمر الله لا يعدوها فيقولون : رب عبدك فلان وهو أعلم به منهم ، فيبعث الله إليهم بصك مختوم يأمنه من العذاب ، وذلك قوله : { كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون } .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { لفي عليين } قال : الجنة ، وفي قوله : { يشهده المقربون } قال : كل أهل سماء .

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : { يشهده المقربون } قال : هم مقربو أهل كل سماء إذا مر بهم عمل المؤمن شيعه مقربو كل أهل سماء حتى ينتهي العمل إلى السماء السابعة ، فيشهدون حتى يثبت السماء السابعة .

وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «صلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما ، كتاب مرقوم في عليين » .

وأخرج عبد بن حميد من طريق خالد بن عرعرة وأبي عجيل أن ابن عباس سأل كعباً عن قوله تعالى : { كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين } الآية ، قال : إن المؤمن يحضره الموت ويحضره رسل ربه فلا هم يستطيعون أن يؤخروه ساعة ولا يعجلوه حتى تجيء ساعته ، فإذا جاءت ساعته قبضوا نفسه ، فدفعوه إلى ملائكة الرحمة ، فأروه ما شاء الله أن يروه من الخير ، ثم عرجوا بروحه إلى السماء فيشيعه من كل سماء مقربوها حتى ينتهوا به إلى السماء السابعة ، فيضعونه بين أيديهم ، ولا ينتظرون به صلاتكم عليه ، فيقولون : اللهم هذا عبدك فلان قبضنا نفسه ، فيدعون له بما شاء الله أن يدعوا ، فنحن نحب أن يشهدنا اليوم كتابه ، فينثر كتابه من تحت العرش فيثبتون اسمه فيه ، وهم شهوده ، فذلك قوله : { كتاب مرقوم يشهده المقربون } وسأله عن قوله : { إن كتاب الفجار لفي سجين } الآية ، قال : إن العبد الكافر يحضره الموت ويحضره رسل الله ، فإذا جاءت ساعته قبضوا نفسه فدفعوه إلى ملائكة العذاب ، فأروه ما شاء الله أن يروه من الشر ثم هبطوا به إلى الأرض السفلى وهي سجين ، وهي آخر سلطان إبليس ، فأثبتوا كتابه فيها ، وسأله عن { سدرة المنتهى } فقال : هي سدرة نابتة في السماء السابعة ، ثم علت على الخلائق إلى ما دونها و

{ عندها جنة المأوى } [ النجم : 15 ] قال : جنة الشهداء .

وأخرج عبد بن حميد عن عطاء بن يسار قال : لقيت رجلاً من حمير كأنه علامة يقرأ الكتب فقلت له : الأرض التي نحن عليها ما سكانها ؟ قال : هي على صخرة خضراء تلك الصخرة على كف ملك ، ذلك الملك قائم على ظهر حوت منطو بالسموات والأرض من تحت العرش . قلت : الأرض الثانية من سكانها ؟ قال : سكانها الريح العقيم ، لما أراد الله أن يهلك عاداً أوحى إلى خزنتها أن افتحوا عليهم منها باباً . قالوا : يا ربنا مثل منخر الثور ؟ قال : إذن تكفأ الأرض ومن عليها . فضيق ذلك حتى جعل مثل حلقة الخاتم ، فبلغت ما حدث الله . قلت : الأرض الثالثة من ساكنها ؟ قال : فيها حجارة جهنم . قلت : الأرض الرابعة من ساكنها ؟ قال : فيها كبريت جهنم . قلت : الأرض الخامسة من ساكنها ؟ قال : فيها عقارب جهنم . قلت : الأرض السادسة من ساكنها ؟ قال : فيها حيات جهنم . قلت : الأرض السابعة من ساكنها ؟ قال : تلك سجين فيها إبليس موثق يد أمامه ويد خلفه ، ورجل خلفه ورجل أمامه . كان يؤذي الملائكة ، فاستعدت عليه فسجن هناك ، وله زمان يرسل فيه ، فإذا أرسل لم تكن فتنة الناس بأعي عليهم من شيء .

وأخرج ابن المبارك عن ضمرة بن حبيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الملائكة يرفعون أعمال العبد من عباد الله يستكثرونه ويزكونه حتى يبلغوا به حيث يشاء الله من سلطانه ، فيوحي الله إليهم أنكم حفظة على عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه . إن عبدي هذا لم يخلص لي عمله فاجعلوه في سجين . ويصعدون بعمل العبد يستقلونه ويحتقرونه حتى يبلغوا به إلى حيث شاء الله من سلطانه ، فيوحي الله إليهم أنكم حفظة على عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه . إن عبدي هذا أخلص لي عمله فاجعلوه في عليين » .

وأخرج ابن الضريس عن أم الدرداء قالت : إن درج الجنة على عدد آي القرآن ، وإنه يقال لصاحب القرآن اقرأ وارقه فإن كان قد قرأ ثلث القرآن كان على الثلث من درج الجنة ، وإن كان قد قرأ نصف القرآن كان على النصف من درج الجنة ، وإن كان قد قرأ القرآن كان في أعلى عليين ، ولم يكن فوقه أحد من الصديقين والشهداء .

وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال : إن لأهل عليين كوى يشرفون منها فإذا أشرف أحدهم أشرقت الجنة ، فيقول أهل الجنة قد أشرف رجل من أهل عليين .

وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن كعب قال : يرى في الجنة كهيئة البرق فيقال : ما هذا ؟ قيل : رجل من أهل عليين تحوّل من غرفة إلى غرفة .