معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَٰلَ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗاۖ لَّوۡ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (114)

قوله تعالى : { قال إن لبثتم } أي : ما لبثتم في الدنيا ، { إلا قليلاً } سماه قليلاً لأن الواحد وإن طال مكثه في الدنيا ، فإنه يكون قليلاً في جنب ما يلبث في الآخرة ، لأن لبثه في الدنيا وفي القبر متناه ، { لو أنكم كنتم تعلمون } قدر لبثكم في الدنيا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَٰلَ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗاۖ لَّوۡ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (114)

فيرد الله - تعالى - عليهم بقوله { قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ } أى : ما لبثتم فى الدنيا ، { إِلاَّ قَلِيلاً } أى : إلا وقتا قليلا { لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } شيئا من العلم لأدركتم أن ما لبثتموه فى الدنيا ، هو قليل جدا بالنسبة إلى مكثكم فى النار بسبب إصراركم على كفركم فى حياتكم الدنيا ، فجواب لو محذوف ، لدلالة الكلام عليه .

ولا يتعارض قولهم هنا { لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ } مع آيات أخرى ذكرت بأنهم { يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } وبأنهم { مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } كما فى قوله - تعالى - : { وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُقْسِمُ المجرمون مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ . . } لأن كل فريق منهم قد أخبر بما تبادر إلى ذهنه ، فبعضهم قال : لبثنا عشرا ، وبعضهم قال : لبثنا يوما أو بعض يوم ، وبعضهم أقسم بأنه ما لبث فى الدنيا غير ساعة .

وهذا يدل على أن أهوال العذاب ، قد أنستهم ما كانوا فيه فى الدنيا من متاع ، وما انغمسوا فيه من شهوات . . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَٰلَ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗاۖ لَّوۡ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (114)

قوله : { قال إن لبثتم إلا قليلاً } قرأه الجمهور كما قرأوا الذي قبله فهو حكاية للمحاورة فلذلك لم يعطف فعل { قال إن لبثتم إلا قليلاً } وهي طريقة حكاية المحاورات كما في قوله تعالى : { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } في سورة البقرة ( 30 ) . وقرأه ابن كثير وحمزة والكسائي بصيغة الأمر كالذي قبله .

والاستفهام عن عدد سنوات المكث في الأرض مستعمل في التنبيه ليظهر لهم خطؤهم إذ كانوا يزعمون أنهم إذا دفنوا في الأرض لا يخرجون منها .

وانتصب { عدد سنين } على التمييز ل { كم } الاستفهامية والتمييز إنما هو { سنين } . وإضافة لفظ { عدد } إليه تأكيد لمضمون ( كم ) لأن ( كم ) اسم استفهام عن العدد فذكر لفظ { عدد } معها تأكيد لبعض مدلولها .

وجوابهم يقتضي أنهم تحققوا أنهم كانوا في الأرض وأنهم لم يتذكروا طول مدة مكثهم على تفاوت فيها . والظاهر أن المراد بقولهم { يوماً أو بعض يوم } أنهم قدروا مدة مكثهم في باطن الأرض بنحو يوم من الأيام المعهودة لديهم في الدنيا كما دل عليه قوله تعالى في سورة الروم ( 55 ) { ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة . } ولم يعرج المفسرون على تبيين المقصد من سؤالهم وإجابتهم عنه وتعقيبه بما يقرره في الظاهر . والذي لاح لي في ذلك أن إيقافهم على ضلال اعتقادهم الماضي جيء به في قالب السؤال عن مدة مكثهم في الأرض كناية عن ثبوت خروجهم من الأرض أحياءً وهو ما كانوا ينكرونه ، وكناية عن خطأ استدلالهم على إبطال البعث باستحالة رجوع الحياة إلى عظام ورفات .

وهي حالة لا تقتضي مدة قرن واحد فكيف وقد أعيدت إليهم الحياة بعد أن بقوا قروناً كثيرة ، فذلك أدل وأظهر في سعة القدرة الإلهية وأدخل في إبطال شبهتهم إذ قد تبين بطلانها فيما هو أكثر مما قدروه من علة استحالة عود الحياة إليهم .

وقد دل على هذا قوله في آخر الآية { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون } [ المؤمنون : 115 ] وقد ألجأهم الله إلى إظهار اعتقادهم قِصرَ المدة التي بقوها زيادة في تشويه خطإهم فإنهم لمّا أحسوا من أنفسهم أنهم صاروا أحياء كحياتهم الأولى وعاد لهم تفكيرهم القديم الذي ماتوا عليه ، وكانوا يتوهمون أنهم إذا فنيت أجسادهم لا تعود إليهم الحياة أوهمهم كمالُ أجسادهم أنهم ما مكثوا في الأرض إلا زمناً يسيراً لا يتغير في مثله الهيكل الجثماني فبنوا على أصل شبهتهم الخاطئة خطأ آخر .

وأما قولهم : { فسئل العادين } فهو اعتراف بأنهم لم يضبطوا مدة مكثهم فأحالوا السائل على من يضبط ذلك من الذين يظنونهم لم يزالوا أحياء لأنهم حسبوا أنهم بعثوا والدنيا باقية وحسبوا أن السؤال على ظاهره فتبرأوا من عهدة عدم ضبط الجواب .

وأما رد الله عليهم بقوله : { إن لبثتم إلا قليلاً } فهو يؤذن بكلام محذوف على طريقة دلالة الاقتضاء ، لأنهم قد لبثوا أكثر من يوم أو بعض يوم بكثير فكيف يجعل قليلاً ، فتعين أن قوله : { إن لبثتم إلا قليلاً } لا يستقيم أن يكون جواباً لكلامهم إلا بتقدير : قال بل لبثتم قروناً ، كما في قوله في الذي مر على قرية { فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثتَ قال لبثتُ يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام } [ البقرة : 259 ] . ولذلك تعين أن يكون التقدير : قال بل لبثتم قروناً ، وإن لبثتم إلا قليلاً فيما عند الله { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } [ الحج : 47 ] .

وقرينة ذلك ما تفيده ( لو ) من الامتناع في قوله : { لو أنكم كنتم تعلمون } أي لو كنتم تعلمون لعلمتم أنكم ما لبثتم إلا قليلاً ، فيقتضي الامتناع أنهم ما علموا أنهم لبثوا قليلاً مع أن صريح جوابهم يقتضي أنهم علموا لبثاً قليلاً ، فالجمع بين تعارض مقتضى جوابهم ومقتضى الرد عليهم إنما يكون باختلاف النسبة في قلة مدة المكث إذا نسبت إلى ما يراعى فيها ، فهي إذا نسبت إلى شبهتهم في إحالة البعث كانت طويلة وقد وقع البعث بعدها فهذا خطأ منهم ، وهي إذا نسبت إلى ما يترقبهم من مدة العذاب كانت مدة قليلة وهذا إرهاب لهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قَٰلَ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗاۖ لَّوۡ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (114)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قال الله لهم: ما لبثتم في الأرض إلا قليلاً يسيرا لو أنكم كنتم تعلمون قدر لبثكم فيها.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون} ولكن لا تعلمون.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{إن لبثتم إلا قليلاً} مقصده على القول بأن اللبث في الدنيا، أي قليل القدر في جنب ما تعذبون، على القول بأن اللبث في القبور معناه أنه قليل، إذ كل آت قريب ولكنكم كذبتم به إذ كنتم لا تعلمون، إذ لم ترغبوا في العلم والهدى.

زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 597 هـ :

أي: ما لبثتم في الأرض {إِلاَّ قَلِيلاً} لأن مكثهم في الأرض وإن طال، فإنه متناهٍ، ومكثهم في النار لا يتناهى. وفي قوله: {لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} قولان: أحدهما: لو علمتم قدر لبثكم في الأرض. والثاني: لم علمتم أنكم إلى الله ترجعون، فعملتم لذلك.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{لو أنكم كنتم تعلمون} فبين في هذا الوجه أنه أراد أنه قليل لو علمتم البعث والحشر، لكنكم لما أنكرتم ذلك كنتم تعدونه طويلا.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان ذلك على تقدير تسليمه لا ينفعهم لأن الجزاء بالعذاب على عزمهم على التمادي في العناد على مرّ الآباد، المصدق منهم بالانهماك في الفساد، أجابهم إلى قصدهم في عدهم بعبارة صالحة صادقة على مدة لبثهم طال أو قصر، بقوله على طريق الاستئناف لمن تشوف إلى معرفة جوابهم: {قال} أي الله على قراءة الجماعة، وبينت قراءة حمزة والكسائي أن إسناد القول إليه سبحانه مجاز عن قول بعض عباده العظماء فقال على طريق الأول: {قل} أي لهؤلاء الذين وقع الإعراض عنهم {إن} أي ما {لبثتم} أي في الدنيا {إلا قليلاً} أي هو من القلة بحيث لا يسمى بل هو عدم {لو أنكم كنتم} أي كوناً هو كالجبلة {تعلمون} أي في عداد من يعلم في ذلك الوقت، لما آثرتم الفاني على الباقي، ولأقبلتم على ما ينفعكم، وتركتم الخلاعة التي لا يرضاها عاقل، ولا يكون على تقدير الرضا بفعلها إلا بعد الفراغ من المهم، ولكنكم كنتم في عداد البهائم، وفي ذلك تنبيه للمؤمنين الذين هم الوارثون على الشكر على ما منحهم من السرور بإهلاك أعدائهم وإيراثهم أرضهم وديارهم، مع إعزازهم والبركة في أعمارهم، بعد إراحتهم منهم في الدنيا، ثم بإدامة سعادتهم في الآخرة وشقاوة أعدائهم.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والاستفهام عن عدد سنوات المكث في الأرض مستعمل في التنبيه ليظهر لهم خطؤهم إذ كانوا يزعمون أنهم إذا دفنوا في الأرض لا يخرجون منها...

ولم يعرج المفسرون على تبيين المقصد من سؤالهم وإجابتهم عنه وتعقيبه بما يقرره في الظاهر. والذي لاح لي في ذلك أن إيقافهم على ضلال اعتقادهم الماضي جيء به في قالب السؤال عن مدة مكثهم في الأرض كناية عن ثبوت خروجهم من الأرض أحياءً وهو ما كانوا ينكرونه، وكناية عن خطأ استدلالهم على إبطال البعث باستحالة رجوع الحياة إلى عظام ورفات.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُون}، ولكنّكم لم تعرفوا ذلك، لأنكم لم تشاءوا معرفته عبر ما منحه الله لكم من نوافذ المعرفة، ولو عرفتم قصر العمر في الدنيا، وسرّ الخلود في الآخرة، لعرفتم جيداً، ولوعيتم أن الدنيا هي ساحة المسؤولية في حركة الإنسان، في ما يقوم به من عملٍ، وأنّ الآخرة هي ساحة الحصول على نتائج المسؤولية، تماماً كما هو الزرع والحصاد.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وهنا يؤنّبهم الله ويستهزئ بهم "قال إن لبثتم إلاّ قليلا لو أنّكم كنتم تعلمون". فسوف يدركون يوم القيامة مدى قصر عمر الدنيا المحدود بالنسبة لعمر الآخرة الممدود، فالعمر الأوّل ما هو إلاّ كلمحة بصر. ولكنّهم كانوا يتصوّرونه خالداً، لأنّ حجب الغفلة وآثارها قد أسدلت على قلوبهم، فحجبتها عن رؤية الحقّ، فاستهانوا بالآخرة وحسبوها وعداً آجلا بعيداً، لهذا قال لهم الله عزّ وجلّ: لو أنّكم كنتم تعلمون لأدركتم هذه الحقيقة التي توصّلتم إليها يوم القيامة في دنياكم.