معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَلۡبِسُونَ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (71)

قوله تعالى : { يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل } تخلطون الإسلام باليهودية والنصرانية ، وقيل : لم تخلطون الإيمان بعيسى عليه السلام –وهو الحق- بالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وهو الباطل ؟ وقيل : لم تخلطون التوراة التي أنزلت على موسى بالباطل الذي حرفتموه وكتبتموه بأيديكم ؟ .

قوله تعالى : { وتكتمون الحق وأنتم تعلمون } أن محمداً صلى الله عليه وسلم ودينه حق .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَلۡبِسُونَ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (71)

ثم وجه إليهم - سبحانه - نداء رابعا نهاهم فيه عن الخلط بين الحق والباطل وعن كتمان الحق بعد أن نهاهم قبل ذلك عن الكفر بالآيات فقال - تعالى - : { يا أهل الكتاب لِمَ تَلْبِسُونَ الحق بالباطل وَتَكْتُمُونَ الحق وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } .

وقوله : { تَلْبِسُونَ } أى تخلطون من اللبس - بفتح اللام - أى الخلط وفعله ليس من باب ضرب .

تقول : ليست عليه الأمر ألبسه إذا مزجت بينه بمشكلة وحقه بباطله فى ستر وخفاء .

أى : يا أهل الكتب لماذا تخاطلون الحق الواضح الذى نطقت به الكتب السماوية ، وأيدته العقول السليمة ، بالباطل الذى تخترعونه من عند أنفسكم إرضاء لأهوائكم ؟ ولماذا تكتمون الحق الذى تعرفونه كما تعرفون أبناءكم بغية انصراف الناس عنه ، لأن من جهل شيئاً عاداه .

وفى تكرير النداء والاستفهام زيادة في توبيخهم ولإنكار ما هم عليه ، والتعجيب من شأنهم ، ذلك لأنهم جمعوا أفحش أنواع الرذائل التى على رأسها كفرهم بآيات الله وخلطهم الحق بالباطل وكتمان الحق عمن يريده .

ولدعاة الضلالة طريقتان فى إغواء الناس .

إحداهما : طريقة خلط الحق بالباطل حتى لا يتميز أحدهما عن الآخر وهى المشار إليها بقوله - تعالى { لِمَ تَلْبِسُونَ الحق بالباطل } .

والثانية : طريقة جحد الحق وإخفائه حتى لا يظهر ، وهى المشار إليها بقوله - تعالى - : { وَتَكْتُمُونَ الحق } .

وقد استعمل أهل الكتاب الطريقتين لصرف الناس عن الإسلام فقد كان بعضهم يؤول نصوص كتبهم الدالة على صدق النبى صلى الله عليه وسلم تأويلا فاسداً يخلط فيه الحق بالباطل ليوهموا العامة أنه ليس هو النبي المنتظر ، وكان بعضهم يلقى حول الحق شبها ليوقع ضعفاء الإيمان فى حيرة وتردد ، وكان بعضهم يخفى أو يحذف النصوص الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم أو التى لا توافق أهواءهم .

وقوله : { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } جملة حالية ، أى وأنتم تعلمون أن ما أخفيتموه وما لبستموه هو الحق ، أو وأنتم من ذوي العلم ولا يناسب من كان كذلك أن يكتم الحق ويخلطه بالباطل ، وإذا كان هذا الفعل يعد من كبائر الذنوب حتى ولو وقع من شخص عادي فإن وقعه يكون أقبح وفساده أكبر وعاقبه أشأم متى صدر من عالم فاهم يميز بين الحق والباطل .

قال أبو حيان : وهذه الحال وإن كان ظاهرها أنها قيد فى النهي عن اللبس والكتم ، إلا أنها لا تدل بمفهومها على جواز اللبس والكتم حالة الجهل إذا الجاهل بحال الشيء لا يدرى كونه حقا أو باطلا . وإنما فائدتها بيان أن الإقدام على الأشياء القبيحة مع العلم بها أفحش من الإقدام عليها مع الجهل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَلۡبِسُونَ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (71)

وقوله تعالى : { لم تلبسون الحق } معناه تخلطون ، تقول لبست الأمر بفتح الباء بمعنى خلطته ، ومنه قوله تعالى : { وللبسنا عليهم ما يلبسون }{[3239]} وتقول : لبست الثوب بكسر الباء ، قال ابن زيد : { الحق } الذي لبسوه هو التوراة المنزلة ، و«الباطل » الذي لبسوه به هو ما كتبوه بأيديهم ونسبوه إلى التوراة ، وقال ابن عباس : { الحق } إسلامهم بكرة ، و«الباطل » كفرهم عشية ، والآية نزلت في قول عبد الله بن الصيف وعدي بن زيد والحارث بن عوف{[3240]} ، تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد وجه النهار ، ونكفر آخره ، عسى أن نلبس على المسلمين أمرهم ، وقال قتادة وابن جريج : { لم تلبسون الحق بالباطل } معناه لم تخلطون اليهودية والنصرانية بالإسلام ، وقد علمتم أن دين الله الذي لا يقبل غيره الإسلام .

قال الفقيه الإمام أبو محمد : فكأن هذا المعنى لم تبقون على هذه الأديان وتوجدونها ؟ فيكون في ذلك لبس على الناس أجمعين ، وقال بعض المفسرين : { الحق } الذي لبسوه قولهم : محمد نبي مرسل ، و«الباطل » الذي لبسوه به قول أحبارهم : لكن ليس إلينا ، بل ملة موسى مؤبدة ، وقوله تعالى : { وتكتمون الحق وأنتم تعلمون } يريد شأن محمد صلى الله عليه وسلم ، كذلك قال الربيع وابن جريج وقتادة وغيرهم ، وفي قوله : { وأنتم تعلمون } توقيف على العناد ظاهر ، قال أبو إسحاق الزجّاج : ولو قيل وتكتموا الحق لجاز على قولك ، لم تجمعون ذا وذا ، على أن تكتموا في موضع نصب على الظرف{[3241]} في قول الكوفيين ، وبإضمار «أن » ، في قول أصحابنا ، قال أبو علي : الصرف ها هنا يقبح ، وكذلك إضمار «أن » ، لأن { تكتمون } ، معطوف على موجب ، فليست الآية بمنزلة قولهم : أتأكل السمك وتشرب اللبن ، وبمنزلة قولك أتقوم فأقوم والعطف على الموجب مقرر وليس بمستقيم عنه ، وإنما استفهم عن السبب في اللبس ، واللبس موجب ، والعطف على الموجب المقرر قبيح متى نصب إلا في ضرورة شعر كما روي : [ الرجز ]

وألحقُّ بالحِجَازِ فاسْتَرِيحَا{[3242]} .

وقد قال سيبويه في قولك : أسرت حتى تدخل المدينة ؟ لا يجوز إلا النصب في- تدخل - ، لأن السير مستفهم عنه غير موجب ، وإذا قلت : أيهم سار حتى يدخلها ؟ رفعت ، لأن السير موجب والاستفهام إنما وقع عن غيره .


[3239]:- من الآية (9) من سورة الأنعام.
[3240]:- عبد الله بن الصيف وعدي من أحبار بني قينقاع؛ وفي سيرة ابن هشام: ابن صيف، ويقال: ابن ضيف، وفي بعض نسخ تفسير ابن عطية: الضيف، وعند القرطبي: مالك بن الصيف؛ أما الحارث فكان من أحبار بني قريظة.
[3241]:- في بعض النسخ "على الصرف"-وهو أن تعطف الواو ما لا يستقيم أن يعاد فيه الحادث الذي فيما قبله-ولعلها أقرب إلى الصواب.
[3242]:- البيت للمغيرة بن حبناء الحنظلي، وصدره: سأترك منزلي لبني تميم (الخزانة 3/600)