معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَلۡيَأۡتُواْ بِحَدِيثٖ مِّثۡلِهِۦٓ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ} (34)

ثم ألزمهم الحجة فقال :{ فليأتوا بحديث مثله } أي : مثل القرآن ونظمه وحسن بيانه ، { إن كانوا صادقين } أن محمداً تقوله من تلقاء نفسه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلۡيَأۡتُواْ بِحَدِيثٖ مِّثۡلِهِۦٓ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ} (34)

{ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } والتقول : تكلف القول واختلاقه . وأكثر ما يكون استعمالا فى الكذب ، يقال : فلان تقول على فلان ، إذا افترى عليه الكذب . أى : بل أيقولون عنك - أيها الرسول - إن افتريت هذا القرآن ، واختلقته من عند نفسك ، لا إنك معصوم عن ذلك ، وأنت ما نطقت إلا بما أوحيناه إليك ، ولكنهم هم المفترون للكذب عليك ، وما حملهم على ذلك إلا عدم إيمانهم بالحق ، وانغماسهم فى الباطل ، وإصرارهم على الجحود .

وإذا كان الأمر - كما زعموا - فها هو ذا القرآن أمامهم يسمعون آياته . . . فليأتوا بحديث يشابه القرآن فى بلاغته . وهدايته ، وسمو تشريعاته وآدابه .

وقد تحداهم - سبحانه - فى آيات أخرى أن يأتوا بعشر سور من مثله فقال : { أَمْ يَقُولُونَ افتراه قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وادعوا مَنِ استطعتم مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ثم تحداهم سبحانه - أن يأتوا بسورة واحدة من مثله فقال : { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا على عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وادعوا شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ الله إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } ولكنهم فى جميع مراحل التحدى ، وقفوا عاجزين مبهوتين ، فثبت أن هذا القرآن من عند الله ، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلۡيَأۡتُواْ بِحَدِيثٖ مِّثۡلِهِۦٓ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ} (34)

{ فليأتوا بحديث مثله } مثل القرآن . { إن كانوا صادقين } في زعمهم إذ فيهم كثير ممن عدوا فصحاء فهو رد للأقوال المذكورة بالتحدي ، ويجوز أن يكون رد للتقول فإن سائر الأقسام ظاهر الفساد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلۡيَأۡتُواْ بِحَدِيثٖ مِّثۡلِهِۦٓ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ} (34)

ثم عجزهم تعالى بقوله : { فليأتوا بحديث مثله } والمماثلة المطلوبة منهم هي في النظم والرصف والإيجاز .

واختلف الناس هل كانت العرب قادرة على الإتيان بمثل القرآن قبل مجيء محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال شداد : يسمون أهل الصرفة كانت قادرة وصرفت ، وقال الجمهور : لم تكن قط قادرة ولا في قدرة البشر أن يأتي بمثله .

لأن البشر لا يفارق النسيان والسهو والجهل والله تعالى محيط علمه بكل شيء . فإذا ترتبت اللفظة في القرآن ، علم بالإحاطة التي يصلح أن تليها ويحسن معها المعنى وذلك متعذر في البشر ، والهاء في { مثله } عائدة على القرآن .

وقرأ الجحدري «بحديثِ مثلِه » بإضافة الحديث إلى مثل . فإنها{[10656]} على هذا عائدة على محمد صلى الله عليه وسلم .


[10656]:أي الهاء في [مثله].
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلۡيَأۡتُواْ بِحَدِيثٖ مِّثۡلِهِۦٓ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ} (34)

الإِتيان بالشيء : إحضاره من مكان آخر . واختير هذا الفعل دون نحو : فليقولوا مثلَه ونحوه ، لقصد الإِعذار لهم بأن يُقتنع منهم بجلب كلام مثله ولو من أحد غيرهم ، وقد تقدم عند قوله تعالى في سورة البقرة ( 23 ) { فأتوا بسورة من مثله } أنه يحتمل معنيين ، هما : فأتوا بسورة من مثل القرآن ، أو فأتوا بسورة من مثل الرسول ، أي من أحد من الناس .

والحديث : الإِخبار بالحوادث ، وأصل الحوادث أنها الواقعات الحديثة ، ثم توسع فأطلقت على الواقعات ، ولو كانت قديمة كقولهم : حوادث سنة كذا ، وتَبع ذلك إطلاق الحديث على الخبر مطلقاً ، وتوسع فيه فأطلق على الكلام ولو لم يكن إخباراً ، ومنه إطلاق الحديث على كلام النبي .

فيجوز أن يكون الحديث هنا قد أطلق على الكلام مجازاً بعلاقة الإِطلاق ، أي فليأتوا بكلام مثله ، أي في غرض من الأغراض التي يشتمل عليها القرآن لا خصوص الأخبار . ويجوز أن يكون الحديث هنا أطلق على الأخبار ، أي فليأتوا بأخبار مثل قصص القرآن فيكون استنزالاً لهم فإن التكلم بالأخبار أسهل على المتكلم من ابتكار الأغراض التي يتكلم فيها ، فإنهم كانوا يقولون إن القرآن أساطير الأولين ، أي أخبار عن الأمم الماضين فقيل لهم : فليأتوا بأخبار مثل أخباره لأن الإِتيان بمثل ما في القرآن من المعارف والشرائع والدلائل لا قِبَل لعقولهم به ، وقصاراهم أن يفهموا ذلك إذا سمعوه .

ومعنى المثلية في قوله : مثله } المثلية في فصاحته وبلاغته ، وهي خصوصيات يدركونها إذا سمعوها ولا تحيط قرائحهم بإيداعها في كلامهم . وقد بينا أصول الإِعجاز في المقدمة العاشرة من مقدمات هذا التفسير .

ولام الأمر في { فليأتوا } مستعملة في أمر التعجيز كقوله حكاية عن قول إبراهيم { إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأْتتِ بها من المغرب } [ البقرة : 258 ] .

وقوله : { إن كانوا صادقين } أي في زعمهم أنه تقوّله ، أي فإن لم يأتوا بكلام مثله فهم كاذبون . وهذا إلهاب لعزيمتهم ليأتوا بكلام مثل القرآن ليكون عدم إتيانهم بمثله حجة على كذبهم وقد أشعر نظم الكلام في قوله : { فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين } الواقععِ موقعاً شبيهاً بالتذييل والمختوممِ بكلمة الفاصلة ، أنه نهاية غرض وأن ما بعده شروع في غرض آخر كما تقدم في نظم قوله : { قل تربصوا فإني معكم من المتربصين } [ الطور : 31 ] .