ثم ألزمهم الحُجَّة وأبطل جميع الأقسام فقال : { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ } أي القُرْآنِ ونظمه { إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } أنَّ محمداً تقوَّلهُ من قِبَلِ نفسه ، ولما امتنع ذلك كَذَّبوا في الكُلّ .
قوله : «فَلْيأتُوا » الفاء للتعقيب أي إذا كان كذلك فيجب عليهم أن يأتوا بمثل ما أتى بهِ لِيَصحَّ{[53232]} كلامُهُم ويبطل كلامه . قال بعض العلماء : وهذا أمر تعجيزٍ{[53233]} قال ابن الخطيب : والظاهر أن الأَمر ههنا على حقيقته لأنه لم يقل : إيتوا مطلقاً بل قال : إيتوا إن كنتم صادقين فهو أمر معلق على شرط إذا وجد ذلك الشرط يَجِبُ الإتيان به وأمر التعجيز كقوله تعالى : { فَإِنَّ الله يَأْتِي بالشمس مِنَ المشرق فَأْتِ بِهَا مِنَ المغرب فَبُهِتَ الذي كَفَرَ } [ البقرة : 258 ] وليس هذا بحثاً يورث خللاً في كلامهم{[53234]} .
قوله : «بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ » العامة على تنوين «حَدِيثٍ » وَوَصْفِهِ ب «مِثْلِهِ » . والجَحْدَرِيُّ وأبو السَّمَّال «بحَدِيثِ مِثْلِهِ »{[53235]} بإضافة حديث إلى «المِثْل » على حذف موصوف أي بحديثِ رجلٍ مِثْلِهِ من جِنْسِهِ .
قالت المعتزلة : الحديث مُحْدَث ، والقرآن سماه حديثاً فيكون مُحْدَثاً .
وأجيبوا : بأن الحديث اسمٌ مشترك يقال للمُحْدَث{[53236]} والمنقول وهذا يصح أن يقال : هذا حديث قديم أي متقادم العَهْد ، لا بمعنى سبب الأزلية وذلك لاَ نِزَاع فِيهِ .
فإن قيل : الصّفة تتبع الموصوف في التعريف والتنكير والموصوف هنا : «حَدِيث » وهو مُنَكَّر ، و«مِثْلِهِ » مضاف إلى «القرآن » والمضاف إلى القرآن مُعَرَّف فكيف هذا ؟
فالجواب : أن «مِثْلاً » و«غَيْراً » لا يتعرَّفان بالإضافة{[53237]} ، وكذلك كل ما هو مثله كشِبْهٍ ، وذلك أن «غَيْراً ومِثْلاً » وأمثالهما في غاية التنكير ؛ لأنك إذا قلت : «مِثْلُ زَيْدٍ » يتناول كل شيء ، فإن كل شيء مثل زيد في شيء{[53238]} فالحِمار مثله في الجسم والحجم والإمكان والنباتُ مثله في النُّشُوء والنَّمَاء والذّبُول والفَنَاء ، والحَيَوَان مثله في الحركة والإدراك وغيرها من الأوصاف . وأما «غَيْرُ » فهو عند الإضافة ينكَّر وعند قطع الإضافة ربَّما يَتَعرَّف{[53239]} ؛ فإنك إذا قلت : غَيْر زيدٍ صار في غاية الإبهام ، فإنه يتناول أموراً لا حصر لها ، وأما إذا قطعتَ «غير » عن الإضافة فربَّما يكون الغَيْرُ والمُغَايَرَةُ من بابٍ واحد وكذلك التَّغيُّر فتجعل الغير كأسماء الجنس وتَجْعَلُهُ مبتدأ أو تريد به معنى معيَّناً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.