الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{فَلۡيَأۡتُواْ بِحَدِيثٖ مِّثۡلِهِۦٓ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ} (34)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فليأتوا بحديث مثله} يعني من تلقاء أنفسهم مثل هذا القرآن كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لقولهم إن محمد تَقَوَّله {إن كانوا صادقين} بأن محمدا تَقَوَّله..

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ "يقول: جلّ ثناؤه: فليأت قائلو ذلك له من المشركين بقرآن مثله، فإنهم من أهل لسان محمد صلى الله عليه وسلم، ولن يتعذّر عليهم أن يأتوا من ذلك بمثل الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم إن كانوا صادقين في أن محمدا صلى الله عليه وسلم تقوّله وتخلّقه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{فليأتوا بحديث مثله} وإن خُرّج مُخرَج الأمر الظاهر، فهو في الحقيقة ليس بأمر؛ لأنه لا يحتمل أن يأمرهم إن تابوا بالكذب والافتراء. ثم هذا يخرّج على وجهين: أحدهما: على الإعجاز عن أن يأتوا بمثله.

والثاني: على التوبيخ والتوعُّد على ما قالوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الافتراء والتقوّل، والله أعلم...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

ثم قال على وجه التحدي لهم" فليأتوا بحديث مثله "يعني مثل القرآن وما يقاربه "إن كانوا صادقين" في أنه شاعر وكاهن ومجنون وتقوله، لأنه لا يتعذر عليهم مثله...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين} أي إن كان هو شاعرا ففيكم الشعراء البلغاء والكهنة الأذكياء ومن يرتجل الخطب... ويقص القصص ولا يختلف الناقص والزائد فليأتوا بمثل ما أتى به، والتقول يراد به الكذب. وفيه إشارة إلى معنى لطيف وهو أن التفعل للتكلف وإراءة الشيء وهو ليس على ما يرى يقال تمرض فلان أي لم يكون مريضا وأرى من نفسه المرض وحينئذ كأنهم كانوا يقولون كذب وليس بقول إنما هو تقول صورة القول وليس في الحقيقة به ليعلم أن المكذب هو الصادق، وقوله تعالى: {بل لا يؤمنون} بيان هذا أنهم كانوا في زمان نزول الوحي وحصول المعجزة كانوا يشاهدونها وكان ذلك يقتضي أن يشهدوا له عند غيرهم ويكونوا كالنجوم...

{فليأتوا} الفاء للتعقيب أي إذا كان كذلك فيجب عليهم أن يأتوا بمثل ما أتى به ليصحح كلامهم ويبطل كلامه وفيه مباحث: الأول: قال بعض العلماء {فليأتوا} أمر تعجيز بقول القائل لمن يدعي أمرا أو فعلا ويكون غرضه إظهار عجزه، والظاهر أن الأمر هاهنا مبقي على حقيقته لأنه لم يقل: ائتوا مطلقا بل إنما قال: ائتوا إن كنتم صادقين، وعلى هذا التقدير ووجود ذلك الشرط يجب الإتيان به وأمر التعجيز في كلام الله تعالى قوله تعالى: {إن الله * يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر} وليس هذا بحثا يورث خللا في كلامهم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فليأتوا} أي على تقدير أرادوه {بحديث} أي كلام مفرق مجدد إتيانه مع الأوقات لا تكلفهم أن يأتوا به جملة {مثله} أي القرآن في البلاغة وصحة المعاني والإخبار بالمغيبات مما كان أو يكون على ما هي عليه والحكم...

. {إن كانوا} أي كوناً هم راسخون فيه {صادقين} أي في أنه تقوله من عند نفسه شيئاً فشيئاً، كوناً هم عريقون فيه كما يزعمون سواء ادعوا أنه شاعر أو كاهن أو مجنون أو غير ذلك...

والعاقل لا يجزم بشيء إلا وهو عالم به، ويلزم من علمهم بذلك قدرتهم على مثل ما يأتي به، فإنه صلى الله عليه وسلم مثلهم في الفصاحة والبلد والنسب، وبعضهم يزيد عليه بالكتابة وقول الشعر ومخالطة العلماء، ومزاولة الخطب والرسائل وغير ذلك، فلا يقدر على ما يعجزون عنه إلا بتأييد إلهي، وهو المراد من تكذيبهم...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين). وقد تكرر هذا التحدي في القرآن الكريم؛ وتلقاه المنكرون عاجزين، ووقفوا تجاهه صاغرين. وكذلك يقف أمامه كل أحد إلى يوم الدين. إن في هذا القرآن سرا خاصا، يشعر به كل من يواجه نصوصه ابتداء، قبل أن يبحث عن مواضع الإعجاز فيها. إنه يشعر بسلطان خاص في عبارات هذا القرآن. يشعر أن هنالك شيئا ما وراء المعاني التي يدركها العقل من التعبير. وأن هنالك عنصرا ما ينسكب في الحس بمجرد الاستماع لهذا القرآن. يدركه بعض الناس واضحا ويدركه بعض الناس غامضا، ولكنه على كل حال موجود. هذا العنصر الذي ينسكب في الحس، يصعب تحديد مصدره: أهو العبارة ذاتها؟ أهو المعنى الكامن فيها؟ أهو الصور والظلال التي تشعها؟ أهو الإيقاع القرآني الخاص المتميز من إيقاع سائر القول المصوغ من اللغة؟ أهي هذه العناصر كلها مجتمعة؟ أم إنها هي وشيء آخر وراءها غير محدود؟! ذلك سر مودع في كل نص قرآني، يشعر به كل من يواجه نصوص هذا القرآن ابتداء...

(فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين)...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

أنه يحتمل معنيين، هما: فأتوا بسورة من مثل القرآن، أو فأتوا بسورة من مثل الرسول، أي من أحد من الناس. والحديث: الإِخبار بالحوادث، وأصل الحوادث أنها الواقعات الحديثة، ثم توسع فأطلقت على الواقعات، ولو كانت قديمة كقولهم: حوادث سنة كذا، وتَبع ذلك إطلاق الحديث على الخبر مطلقاً، وتوسع فيه فأطلق على الكلام ولو لم يكن إخباراً، ومنه إطلاق الحديث على كلام النبي. فيجوز أن يكون الحديث هنا قد أطلق على الكلام مجازاً بعلاقة الإِطلاق، أي فليأتوا بكلام مثله، أي في غرض من الأغراض التي يشتمل عليها القرآن لا خصوص الأخبار. ويجوز أن يكون الحديث هنا أطلق على الأخبار، أي فليأتوا بأخبار مثل قصص القرآن فيكون استنزالاً لهم فإن التكلم بالأخبار أسهل على المتكلم من ابتكار الأغراض التي يتكلم فيها، فإنهم كانوا يقولون إن القرآن أساطير الأولين، أي أخبار عن الأمم الماضين فقيل لهم: فليأتوا بأخبار مثل أخباره لأن الإِتيان بمثل ما في القرآن من المعارف والشرائع والدلائل لا قِبَل لعقولهم به، وقصاراهم أن يفهموا ذلك إذا سمعوه...