تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{فَلۡيَأۡتُواْ بِحَدِيثٖ مِّثۡلِهِۦٓ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ} (34)

29

34- { فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ } .

والقرآن منطقي معهم ، فخلاصة معنى الآية السابقة : إن محمدا عبقريّ ، قد تقوّل القرآن من عند نفسه ، ونسبه إلى الله تعالى كذبا وزورا .

وهنا يمسك القرآن بتلابيبهم فيقول : محمد نشأ بينكم ، وما قرأ كتابا ، ولا اشترك في مناقشة شاعر أو كاهن ، أو خطيب أو فصيح من فصحائكم ، فإذا ادعيتم أنه تقوّل القرآن ، أي نسبه كذبا إلى الله تعالى ، كان المعنى : إن في استطاعة الأذكياء منكم أن يأتوا بمثله فافعلوا ، وائتوا بقرآن مثل هذا إن كنتم صادقين ، أو ائتوا بعشر سور مثله مفتريات ، أو ائتوا بسورة مما نزلنا على عبدنا ، ثم تحدّاهم أمثالهم من الملحدين المحدثين ، الذين يدّعون أن القرآن نتاج عبقرية محمد ، وقوة تخيّله أو هو نوع من أحلام اليقظة ، أو منظومة إصلاحية عالية .

هذه التهم التي يذكرها بعض المستشرقين ، وبعض من يسيرون خلفهم ، فنَّدها القرآن سابقا بهذا التحدي : { فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ } .

هؤلاء هم الفلاسفة ، وعلماء النفس والاجتماع ، والأدباء والشعراء ، والكتّاب والقصاص ، هل في استطاعتهم أفرادا أو مجتمعين ، أن يأتوا بمثل هذا الكتاب ؟

إن كان الملحدون صادقين ، { فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ } . . .

قال تعالى : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا . } ( الإسراء : 88 )

إن إعجاز القرآن تنوع في عصور تاريخية ، فكان كتاب كل العصور ، فعند نزوله كان العرب أرباب الفصاحة والبيان فتحدّى القرآن العرب ، وطالت مدة التحدّي ، وقد حارب العرب محمدا ، وقاتلوه وقاتلهم ، وهزموه في معارك قليلة ، وهزمهم في معارك كثيرة .

وكان الباعث لهم على اختراع مثل القرآن موجودا ، ومحاولة انتصاف المشركين لأنفسهم موجودة ، ولقد حاول المشركون الإتيان بمثل القرآن ، وجاءوا بكلام دون القرآن بكثير ، وكانت محاولاتهم أدل على إعجاز القرآن وتفوّقه عن المماثلة .

قال بعضهم : إنا أعطيناك الجماهر ، فصل لربك وجاهر . . .

وقال مسيلمة الكذاب : والزارعات زرعا ، فالحاصدات حصدا ، فالعاجنات عجنا ، فالخابزات خبزا ، فالآكلات لقما . . . ، فقال له أحد المسلمين : وماذا بعد ذلك ؟

وعندما تقدمت العلوم والفنون ، ظنّ الملحدون أن أهمية الأديان ستقل أمام التقدم العلمي ، والإحصاءات العلمية في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها تؤيد حاجة الأفراد والمجتمعات إلى الدّين ، فهو شفاء النفس ، وسعادة الإنسان الحقيقية ، وقد أشار إحصاء لطبيب أمريكي أجراه على آلاف المرضى المترددين على عيادات الأطباء في أمريكا ، وظهر من الإحصاء أن 50% ( خمسين في المائة ) من المترددين على عيادات الأطباء ، ليست بهم أمراض إكلينيكية أو عضوية ، وإنما هو الإحباط والخوف والحيرة والتردد ، وإن الدّين هو أفضل علاج لمثل هذه الأمراض ، التي يعجز الطب البشري عن علاجها .

إن القرآن شفاء مادّي ومعنوي للمجتمعات والأفراد .

قال تعالى : { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا } . ( الإسراء : 82 ) .

***