معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ هَٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ} (18)

{ إن هذا } يعني ما ذكر من قوله : { قد أفلح من تزكى } إلى أربع آيات ، { لفي الصحف الأولى } أي في الكتب الأولى التي أنزلت قبل القرآن ، ذكر فيها فلاح المتزكي والمصلي ، وإيثار الخلق الحياة الدنيا على الآخرة ، وأن الآخرة خير وأبقى من بين الصحف .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ هَٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ} (18)

ثم ختم - سبحانه - السورة بقوله : { إِنَّ هذا لَفِي الصحف الأولى . صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى } أى : إن هذا الذى ذكرناه من فلاح من تزكى ، ومن إيثاركم الحياة الدنيا على الآخرة ، لكائن وثابت ومذكور فى الصحف الأولى ، التى هى صحف إبراهيم وموسى ، التى أنزلها - سبحانه - على هذين النبيين الكريمين ، ليعلما الناس ما اشتملت عليه من آداب وأحكام ومواعظ . وفى إبهام هذه الصحف ، ووصفها بالقدم ، ثم بيان أنها لنبيين كريمين من أولى العزم من الرسل ، تنويه بشأنها ، وإعلاء من قدرها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ هَٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ} (18)

وقوله : { إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى } قال الحافظ أبو بكر البزار :

حدثنا نصر بن علي ، حدثنا مُعتمر بن سليمان ، عن أبيه عن عطاء بن السائب ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : { إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى } قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كان كل هذا - أو : كان هذا - في صحف إبراهيم وموسى " {[29986]} .

ثم قال : لا نعلم أسند الثقات عن عطاء بن السائب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس غير{[29987]} هذا ، وحديثا آخر أورده قبل هذا .

وقال النسائي : أخبرنا زكريا بن يحيى ، أخبرنا نصر بن علي ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن عطاء بن السائب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما نزلت { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } قال : كلها في صحف إبراهيم وموسى ، فلما نزلت : { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } [ النجم : 37 ] قال : وفَّى { أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } [ النجم : 38 ]{[29988]} .

يعني أن هذه الآية كقوله في سورة " النجم " : { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأوْفَى وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى } [ النجم : 36 - 42 ] الآيات إلى آخرهن . وهكذا قال عكرمة - فيما رواه ابن جرير ، عن ابن حميد ، عن مِهْران ، عن سفيان الثوري ، عن أبيه ، عن عكرمة - في قوله : { إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى } يقول : الآيات التي في سبح اسم ربك الأعلى .

وقال أبو العالية : قصة هذه السورة في الصحف الأولى .

واختار ابن جرير أن المراد بقوله : { إِنَّ هَذَا } إشارة إلى قوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } ثم قال : { إِنَّ هَذَا } أي : مضمون هذا الكلام { لَفِي الصُّحُفِ الأولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى } {[29989]} .

وهذا اختيار حسن قوي . وقد رُوي عن قتادة وابن زيد ، نحوُه . والله أعلم .


[29986]:-(1) سنن النسائي الكبرى برقم (11668).
[29987]:-(2) في أ: "نحو".
[29988]:- (3) مسند البزار برقم (2285) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (7/137): "فيه عطاء بن السائب وقد اختلط، وبقية رجاله رجال الصحيح".
[29989]:- (4) تفسير الطبري (30/101).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ هَٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ} (18)

تذييل للكلام وتنويه به بأنه من الكلام النافع الثابت في كتب إبراهيم وموسى عليهما السلام ، قصد به الإِبلاغ للمشركين الذين كانوا يعرفون رسالة إبراهيم ورسالة موسى ، ولذلك أكّد هذا الخبر ب { إنَّ } ولام الابتداء لأنه مسوق إلى المنكرين .

والإِشارة بكلمة { هذا } إلى مجموع قوله { قد أفلح من تزكى إلى قوله وأبقى } [ الأعلى : 14 17 ] فإن ما قَبْل ذلك من أول السورة إلى قوله : { قد أفلح من تزكى } [ الأعلى : 14 ] ، ليس مما ثَبت معناه في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام .

روى ابن مردويه والآجُري عن أبي ذر قال : « قلت يا رسول الله هل أُنزل عليك شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى ؟ قال : نعم { قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والأخرة خير وأبقى } [ الأعلى : 14 17 ] . ولم أقف على مرتبة هذا الحديث .

ومعنى الظرفية من قوله : { لفي الصحف } أن مماثله في المعنى مكتوب في الصحف الأولى ، فأطلقت الصحف على ما هو مكتوب فيها على وجه المجاز المرسل كما في قوله تعالى : { وقالوا ربنا عجل لنا قطنا } [ ص : 16 ] ، أي ما في قِطِّنا وهو صك الأعمال .

و { الصحف } : جمع صحيفة على غير قياس لأن قياس جمعه صحائف ، ولكنه مع كونه غير مقيس هو الأفصح كما قالوا : سُفُن في جمع سفينة ، ووجه جمع الصحف أن إبراهيم كانت له صحف وأن موسى كانت له صحف كثيرة وهي مجموع صحف أسفار التوراة .

وجاء نظم الكلام على أسلوب الإِجمال والتفصيل ليكون لهذا الخبر مزيد تقرير في أذهان الناس فقوله : { صحف إبراهيم وموسى } بدل من { الصحف الأولى } .

و { الأولى } : وصف لصُحف الذي هو جمع تكسير فله حكم التأنيث . و { الأولى } صيغة تفضيل . واختلف في الحروف الأصلية للفظ أوّل فقيل : حروفه الأصول همزة فواو ( مكررة ) فلام ذكره في « اللسان » فيكون وزن أول : أَأَوَل ، فقلبت الهمزة الثانية واواً وأدغمت في الواو . وقيل : أُصوله : وَاوَان ولام وأن الهمزة التي في أوله مزيدة فوزن أول : أفعل وإدغام إحدى الواوين ظاهر .

وقيل : حروفه الأصلية واو وهمزة ولام فأصل أول أوْ ألْ بوزن أفعل قلبت الهمزة التي بعد الواو واواً وأدغما .

و{ الأولى } : مؤنث أفعل من هذه المادة فإما أن نقول : أصلها أُوْلى سكنت الواو سكوناً ميتاً لوقوعها إثر ضمة ، أو أصلها : وُوْلَى بواو مضمومة في أوله وسكنت الواو الثانية أيضاً ، أو أصلها : وُألَى بواو مضمومة ثم همزة ساكنة فوقع فيه قلب ، فقيل : أولى فوزنها على هذا عُفْلَى .