قوله تعالى : { ولقد جعلنا في السماء بروجا } ، والبروج : هي النجوم الكبار ، مأخوذة من الظهور ، يقال : تبرجت المرأة أي : ظهرت . وأراد بها : المنازل التي تنزلها الشمس ، والقمر ، والكواكب السيارة ، وهى اثنا عشر برجا : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدي ، والدلو ، والحوت . وقال عطية : هي قصور في السماء عليها الحرس . { وزيناها } ، أي :السماء بالشمس والقمر والنجوم { للناظرين } .
قال الإِمام القرطبي ما ملخصه : لما ذكر - سبحانه - كفر الكافرين ، وعجز أصنامهم ، ذكر كمال قدرته ليستدل بها على وحدانيته .
والبروج : القصور والمنازل . قال ابن عباس . أى جعلنا في السماء بروج الشمس والقمر ، أى : منازلهما . وأسماء هذه البروج : الحمل والثور والجوزاء والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدى ، والدلو ، والحوت .
والعرب تعد المعرفة لمواقع النجوم وأبوابها من أجل العلوم ، ويستدلون بها على الطرقات والأوقات والخصب والجدب . . .
وقال الحسن وقتادة : البروج : النجوم ، وسميت بذلك لظهورها وارتفاعها . . . وقيل البروج : الكواكب العظام . . . .
قال بعض العلماء ومرجع الأقوال كلها إلى شيء واحد ، لأن أصل البروج في اللغة الظهور ، ومنه تبرج المرأة ، بإظهار زينتها ، فالكواكب ظاهرة ، والقصور ظاهرة ، ومنازل الشمس والقمر كالقصور بجامع أن الكل محل ينزل فيه . . .
و { جعلنا } أى خلقنا وأبدعنا ، فيكون قوله { فى السماء } متعلقاً به ، وجوز أن يكون بمعنى التصيير ، فيكون قوله . في السماء . متعلقاً بمحذوف على أنه مفعول ثان له و { بروجاً } هو المفعول الأول .
أى : ولقد خلقنا وأبدعنا منازل وطرقا في السماء ، تسير فيها الكواكب بقدراتنا ، وإرادتنا ، وحكمتنا ، دون خلل أو اضطراب .
وفى ذلك الخلق ما فيه من منافع لكم ، حيث تستعملون هذه البروج في ضبط المواقيت وفى تحديد الجهات ، وفى غير ذلك من المنافع ، كما قال - تعالى - { هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً والقمر نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب مَا خَلَقَ الله ذلك إِلاَّ بالحق يُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } وافتتح - سبحانه - الآية الكريمة بلام القسم وقد ، تنزيلاً للمخاطبين الذاهلين عن الالتفات إلى مظاهر قدرة الله - تعالى - منزلة المنكرين ، فأكد لهم الكلام بمؤكدين لينتبهوا ويعتبروا .
والضمير في قوله { وزيناها . . . } يعود إلى السماء . أى : وزينا السماء بتلك البروج المختلفة الأشكال والأضواء ، لتكون جميلة في عيون الناظرين إليها ، وآية للمتفكرين في دلائل قدرة الله - تعالى - وبديع صنعه .
وهذه الجملة الكريمة ، تلفت الأنظار إلى أن الجمال غاية مقصودة في خلق هذا الكون ، كما تشعر المؤمنين بأن من الواجب عليهم أن يجعلوا حياتهم مبنية على الجمال في الظاهر وفى الباطن ، تأسيا بسنة الله - تعالى - في خلق هذا الكون .
يذكر تعالى خلقه السماء في ارتفاعها وما زَيَّنَها به من الكواكب الثواقب ، لمن تأملها ، وكرر النظر{[16096]} فيها ، يرى فيها من العجائب والآيات الباهرات ، ما يحار نظره فيه . ولهذا قال مجاهد وقتادة : البروج هاهنا هي : الكواكب .
قلت : وهذا كقوله تعالى : { تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا } [ الفرقان : 61 ] ومنهم من قال : البروج هي : منازل الشمس والقمر .
وقال عطية العوفي : البروج هاهنا : هي قصور الحرس{[16097]}
وجعل الشُهب حرسًا لها من مَرَدة الشياطين ، لئلا يسمعوا{[16098]} إلى الملأ الأعلى ، فمن تمرد منهم [ وتقدم ]{[16099]} لاستراق السمع ، جاءه { شِهَابٌ مُبِينٌ } فأتلفه ، فربما يكون قد ألقى الكلمة التي سمعها قبل أن يدركه الشهاب إلى الذي هو دونه ، فيأخذها الآخر ، ويأتي بها إلى وليه ، كما جاء مصرحا به في الصحيح ، كما قال البخاري في تفسير هذه الآية : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان{[16100]} عن عمرو ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة ، يبلُغُ به النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إذا قضى الله الأمر في السماء ، ضربت الملائكة بأجنحتها خُضعانًا لقوله كأنه سلسلة على صَفوان " . قال علي ، وقال غيره : صفوان يَنفُذهم ذلك ، فإذا فُزّع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الذي قال : الحق ، وهو العلي الكبير . فيسمعها مسترقو السمع ، ومسترقو السمع ، هكذا واحد فوق آخر - ووصف سفيان بيده فَفَرَّج بين أصابع يده اليمنى ، نَصبَها بعضها{[16101]} فوق بعض - فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يَرْمي بها إلى صاحبه فيحرقَه ، وربما لم يدركه [ حتى ]{[16102]} يَرْمي بها إلى الذي يليه ، [ إلى الذي ]{[16103]} هو أسفل منه ، حتى يلقوها إلى الأرض - وربما قال سفيان : حتى تنتهي إلى الأرض فتلقى{[16104]} على فم الساحر - أو : الكاهن - فيكذب معها مائة كذبة{[16105]} فيقولون : ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا ، فوجدناه حقًّا ؟ للكلمة التي سمعت من السماء " {[16106]}
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيّنّاهَا لِلنّاظِرِينَ } .
يقول تعالى ذكره : ولقد جعلنا في السماء الدنيا منازل للشمس والقمر ، وهي كواكب ينزلها الشمس والقمر . وَزَيّناها للنّاظِرِينَ يقول : وزينا السماء بالكواكب لمن نظر إليها وأبصرنا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السّماءِ بُروجا قال : كواكب .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السّماءِ بُروجا وبروجها : نجومها .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : بُرُوجا قال : الكواكب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.