مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَزَيَّنَّـٰهَا لِلنَّـٰظِرِينَ} (16)

{ ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين } .

اعلم أنه تعالى لما أجاب عن شبهة منكري النبوة ، وكان قد ثبت أن القول بالنبوة متفرع على القول بالتوحيد أتبعه تعالى بدلائل التوحيد . ولما كانت دلائل التوحيد منها سماوية ، ومنها أرضية ، بدأ منها بذكر الدلائل السماوية ، فقال : { ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين } قال الليث : البرج واحد من بروج الفلك ، والبروج جمع وهي اثنا عشر برجا ، ونظيره قوله تعالى : { تبارك الذي جعل في السماء بروجا } وقال : { والسماء ذات البروج } ، ووجه دلالتها على وجود الصانع المختار ، هو أن طبائع هذه البروج مختلفة على ما هو متفق عليه بين أرباب الأحكام ، وإذا كان الأمر كذلك فالفلك مركب من هذه الأجزاء المختلفة في الماهية والأبعاض المختلفة في الحقيقة ، وكل مركب فلا بد له من مركب يركب تلك الأجزاء والأبعاض بحسب الاختيار والحكمة ، فثبت أن كون السماء مركبة من البروج يدل على وجود الفاعل المختار ، وهو المطلوب ، وأما قوله : { وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين } فقد استقصينا الكلام فيه في سورة الملك في تفسير قوله تعالى : { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين } فلا نعيد ههنا إلا القدر الذي لا بد منه قوله : { وزيناها } أي بالشمس والقمر والنجوم { للناظرين } أي للمعتبرين بها والمستدلين بها على توحيد صانعها .