معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَقَد تَّرَكۡنَا مِنۡهَآ ءَايَةَۢ بَيِّنَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (35)

قوله تعالى : { ولقد تركنا منها } من قريات لوط ، { آية بينة } عبرة ظاهرة ، { لقوم يعقلون } يتدبرون الآيات تدبر ذوي العقول ، قال ابن عباس : الآية البينة : آثار منازلهم الخربة . وقال قتادة : هي الحجارة التي أهلكوا بها أبقاها الله حتى أدركها أوائل هذه الأمة . وقال مجاهد : هي ظهور الماء الأسود على وجه الأرض .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَد تَّرَكۡنَا مِنۡهَآ ءَايَةَۢ بَيِّنَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (35)

ثم بين - سبحانه - أن حكمته قد اقتضت . أن يجعل آثار هؤلاء الظالمين باقية بعدهم ، لتكون عبرة وعظة لغيرهم فقال : { وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } .

أى : ولقد تركنا من هذه القرية بعد تدميرها ، علامة بينة ، وآية واضحة . تدل على هلاك أهلها ، حتى تكون عبرة لقوم يستعلمون عقولهم فى التدبر والتفكر .

قال ابن كثير : وذلك أن جبريل - عليه السلام - اقتلع قراهم من قرار الأرض ، ثم رفعها إلى عنان السماء ، ثم قلبها عليهم ، وأرسل الله عليهم حجارة من سجيل منضود ، مسومة عند ربك وما هى من الظالمين ببعيد ، وجعل مكانها . بحيرة خبيثة منتنة ، وجعلهم عبرة إلى يوم التناد ، وهم من أشد الناس عذابا يوم المعاد ، ولهذا قال : { وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } كما قال : { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ وبالليل أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَقَد تَّرَكۡنَا مِنۡهَآ ءَايَةَۢ بَيِّنَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (35)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولقد تركنا منها آية}، يعني: من قرية لوط آية، {بينة}، يعني: علامة واضحة، يعني: هلاكهم، {لقوم يعقلون} بتوحيد الله عز وجل...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ولقد أبقينا من فَعْلتنا التي فَعَلْنا بهم "آية"، يقول: عبرة بينة وعظة واعظة، "لقوم يعقلون "عن الله حُجَجه، ويتفكرون في مواعظه، وتلك الآية البينة هي عندي عُفُوّ آثارهم، ودروس معالمهم...

عن قَتادة "وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيّنَةً لقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" قال: هي الحجارة التي أُمطرت عليهم...

عن مجاهد، قوله "مِنْها آيَةً بَيّنَةً" قال: عِبرة.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون} آية بينة لمن عقل، وعرف السبب الذي له أهلك قرية لوط، كقوله: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين} {وبالليل أفلا تعقلون} [الصافات: 137 و138] لماذا اهلكوا، أي: تعقلون. هذه الأنباء والقصص ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم، وكررها، وأعادها مرة بعد مرة لأن الأنباء والقصص إنما تذكر للحجاج على الكفرة، فتكرر وتعاد ليحتج بها عليهم، وأما الأحكام فإنما هي لأهل الإسلام خاصة، فهم يطلبون ما عليهم من الأحكام، فلا تقع الحاجة إلى التكرار والإعادة.

ثم الكفرة كانوا على أصناف ثلاثة: منها أهل العناد والمكابرة، وأهل شك وحيرة، وأهل استرشاد. ومن كانت همته الاسترشاد يؤمن بها بالبداهة وفي أول ما وقع في مسامعه، فلا تقع الحاجة إلى التكرار والإعادة. وأما أهل العناد والمكابرة فإنها تكرر عليهم لعلها تنجع فيهم، فيؤمنون بها، وكذا أهل الشك والحيرة.

وهذه الآيات كانت آيات وحججا للتوحيد والبعث والرسالة، وعلى ذلك جاءت الرسل بالدعاء إلى التوحيد وإلى الإقرار بالبعث والإيمان به وإلى الإيمان بالرسل.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

"لقوم يعقلون" أي: يتدبرون الآيات تدبر ذوي العقول.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{ءَايَةً بَيِّنَةً} هي آثار منازلهم الخربة. وقيل: بقية الحجارة. وقيل: الماء الأسود على وجه الأرض. وقيل: الخبر عما صنع بهم.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون} أي من القرية، فإن القرية معلومة وفيها الماء الأسود وهي بين القدس والكرك. وفيها مسائل:...

المسألة الأولى: جعل الله الآية في نوح وإبراهيم بالنجاة حيث قال: {فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية} وقال: {فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات} وجعل ههنا الهلاك آية فهل عندك فيه شيء؟ نقول نعم، أما إبراهيم فلأن الآية كانت في النجاة لأن في ذلك الوقت لم يكن إهلاك، وأما في نوح فلأن الإنجاء من الطوفان الذي علا الجبال بأسرها أمر عجيب إلهي، وما به النجاة وهو السفينة كان باقيا، والغرق لم يبق لمن بعده أثره فجعل الباقي آية، وأما ههنا فنجاة لوط لم يكن بأمر يبقى أثره للحس، والهلاك أثره محسوس في البلاد، فجعل الآية الأمر الباقي، وهو ههنا البلاد، وهناك السفينة.

وههنا لطيفة: وهي أن الله تعالى آية قدرته موجودة في الإنجاء والإهلاك، فذكر من كل باب آية، وقدم آيات الإنجاء لأنها أثر الرحمة وأخر آيات الإهلاك لأنها أثر الغضب ورحمته سابقة.

...

.

المسألة الثالثة: قال هناك {للعالمين} وقال ههنا: {لقوم يعقلون} قلنا لأن السفينة موجودة في جميع أقطار العالم فعند كل قوم مثال لسفينة نوح يتذكرون بها حاله، وإذا ركبوها يطلبون من الله النجاة ولا يثق أحد بمجرد السفينة، بل يكون دائما مرتجف القلب متضرعا إلى الله تعالى طلبا للنجاة، وأما أثر الهلاك في بلاد لوط ففي موضع مخصوص لا يطلع عليه إلا من يمر بها ويصل إليها ويكون له عقل يعلم أن ذلك من الله المريد، بسبب اختصاصه بمكان دون مكان ووجوده في زمان بعد زمان.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان التقدير: ففعلت رسلنا ما وعدوه به من إنجائه وإهلاك جميع قراهم، فتركناها، كأن لم يسكن بها أحد قط، عطف عليه قوله مؤكداً إشارة إلى فضيلة المخاطبين بهذه القصة من العرب وغيرهم، وأنه ليس بينهم وبين الهدى إلا تفكرهم في أمرهم مع الانخلاع من الهوى: {ولقد تركنا} بما لنا من العظمة {منها} أي من تلك القرية {آية} علامة على قدرتنا على كل ما نريد {بينة} وهو الماء الأسود المنتن الذي غمر قراهم كلها بعد الخسف بها وهو مباين لجميع مياه الأرض لكونه ماء السخط لمن باينوا بفعلهم الخلق مع اشتهار كونه على الخسف...

ولما كان سبحانه قد حجب عن الأبصار كثيراً من الناس قال: {لقوم يعقلون} فعد من لم يستبصر بها غير عاقل ولا شاعر بأنها آية ولا فيه أهلية القيام بما يريد.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وكان هذا هو المصير الطبيعي لهذه الشجرة الخبيثة التي فسدت وأنتنت، فلم تعد صالحة للإثمار وللحياة. ولم تعد تصلح إلا للاجتثاث والتحطيم.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

...الآية: العلامة الدالة على أمر...

والمعنى: ولقد تركنا من القرية آثاراً دالة لقوم يستعملون عقولهم في الاستدلال بالآثار على أحوال أهلها. وهذه العلامة هي بقايا قريتهم مغمورة بماء بحيرة لوط تلوح من تحت المياه شواهد القرية، وبقايا لون الكبريت والمعادن التي رجمت بها قريتهم، وفي ذلك عدة أدلة باختلاف مدارك المستدلين. ويتعلق قوله {لقوم يعقلون} بقوله {تركنا}، أو يجعل ظرفاً مستقراً صفة ل {آية}.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ويقودهم العقل إلى الفكرة التي تحذّر الناس من بلاء الله وعذابه إذا امتدوا في طريق الكفر والفساد، لأن الله لا يريد للمفسدين أن يعيثوا في الأرض فساداً على امتداد الزمن، فقد يأتيهم العذاب من حيث لا يحتسبون ولا يشعرون.