قوله : { وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَة } فيها وجهان :
أحدهما : أن بعضها «باقٍ » وهو آية باقية إلى اليوم ، والمعنى تركنا من قريات ( قوم ){[41421]} لوط آية بيّنة عبرة ظاهرة .
الثاني : أن «من » مزيدة ، وإليه نحا الفراء{[41422]} أي تركناها آية كقوله :
-4029 أَمْهَرْتُ مِنْهَا جُبَّةً وَتَيْسَا{[41423]} *** . . .
أي أمهرتها ، وهذا يجيء على رأي الأخفش ، أي ولقد تركنا القرية . والقربة معلومة ، وفيها الماء الأسود وهي بين القدس والكرك .
فإن قيل : كيف جعل الآية في «نوح » و «إبراهيم » بالنجاة{[41424]} فقال : { فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ السفينة وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ } . وقال : { فَأَنْجَاهُ الله مِنَ النار ( إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ } ، وجعل ههنا الهلاك آية ؟ .
فالجواب : أن الآية في إبراهيم كانت في النجاة لأن في ذلك الوقت لم يكن إهلاك{[41425]} ، وأما في نوح فلأن الإنجاء من الطوفان الذي على أعلى{[41426]} الجبال بأسرها أمر عجيب إلهي وما به النجاة وهو السفينة كان باقياً ، والغَرَقُ لم يبق لمن بعده أثره{[41427]} ، فجعل الباقي آية ، وأما ههنا فنجاة «لوط » لم يكن بأمر يبقى أثره للحس والهلاك أثره محسوس في البلاد ، فجعل الآية ههنا البلاد ، وهنا السفينة ، وهنا لطيفة وهي أن الله تعالى آية قدره{[41428]} موجودة في الإنجاء والإهلاك ، فذكر من كل باب آية ، وقدم آيات الإنجاء لأنها أثر الرحمة ، وأخر آيات الإهلاك لأنها أثر الغضب ، ورحمته سابقة .
فإن قيل : أما الحكمة في قوله في السفينة «جعلناها آية » ، ولم يقل بينة وقال ههنا آية بينة ؟ .
فالجواب : أنّ الإنجاء بالسفينة أمر يسع له كل العقل{[41429]} وقد يقع في ذهن جاهل أن الإنجاء لا يفتقر إلى أمر آخرَ ، وأما الآية ههنا الخَسْفُ ، وجعل ديارهم المعمورة عاليها سافلها ، وهو ليس بمعتاد وإنما ذلك بإرادة قادر مخصصة{[41430]} بمكان دون مكان وفي زمان دون زمان فهي بينة لا يمكن لجاهل{[41431]} ، أن يقول هذا أمر يكون كذلك ، وكان{[41432]} له أن يقول في السفينة أمرها يكون كذلك ، فيقال له : فلو دام الماء حتى ينفذ زادهم كيف كان حصل{[41433]} لهم النجاة ؟ ولو سلط الله عليهم الريح العاصفة ، وكيف تكون أحوالهم{[41434]} ؟ .
فإن قيل : ما الحكمة في قوله هناك : «لِلْعَالَمِينَ » ، وفي قوله ههنا : «لِقَوْم يَعْقِلُونَ » ؟ .
فالجواب : أن السفينة ( موجودة ){[41435]} معلومة في جميع أقطار العالم فعند كل قوم مثال السفينة يتذكرون{[41436]} بها حال نوح ، وإذا ركبوها يطلبون من الله النجاة ، فلا{[41437]} يثق أحدٌ بمجرد السفينة ، بل يكون دائماً مرتجف القلب متضرعاً إلى الله تعالى طالباً النجاة{[41438]} ، وأما أثر الهلاك في بلاد لوط ففي موضع مخصوص لا يطلع عليها إلا من مرّ بها{[41439]} ، ويصل إليها{[41440]} ويكون له عقل يعلم أن ذلك من الله فإرادته{[41441]} بسبب اختصاصه بمكان دون مكان ووجوده في زمان دون زمان ، قال ابن عباس : الآية البينة : آثار منازلهم الخربة{[41442]} . وقال قتادة : هي الحجارة{[41443]} التي أهلكوا بها أبقاها الله ( تعالى ){[41444]} حتى أدركها أوائل هذه الأمة . وقال مجاهد : هي ظهور الماء الأسود على وجه{[41445]} الأرض .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.