{ لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً ولا أَمْتاً } أى : لا ترى فى الأرض بعد اقتلاع الجبال منها ، مكانا منخضا ، كما لا ترى فيها { أَمْتاً } أى : مكانا مرتفعا ، بل تراها كلها مستوية ملساء كالصف الواحد .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : قد فرقوا بين العِوج والعَوج ، فقالوا : العِوج بالكسر فى المعانى : والعوج بالفتح فى الأعيان ، والأرض عين ، فكيف صح فيها المكسور العين ؟ .
قلت : اختيار هذا اللفظ له موقع حسن بديع فى وصف الأرض بالاستواء والملاسة ونفى الاعوجاج عنها على أبلغ ما يكون ، وذلك أنك لو عمدت إلى قطعة أرض فسويتها ، وبالغت فى التسوية على عينك وعيون البصراء ، واتفقتم على أنه لم يبق فيها اعوجاج قط ، ثم استطلعت رأى المهندس فيها ، وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسية ، لعثر فيها على عوج فى غير موضع ، لا يدرك ذلك بحاسة البصر ولكن بالقياس الهندسى ، فنفى الله ذلك العوج الذى دق ولطف عن الإدراك ، الله إلا بالقياس الذى يعرفه صاحب التقدير والهندسة ، وذلك الاعوجاج لما لم يدرك إلا بالقياس دون الإحساس لحق بالمعانى ، فقيل فيه ، عوج بالكسر والأمت : النتوء اليسير ، يقال : مد حبله حتى ما فيه أمت . . .
و «العوج » ما يعتري اعتدال الأرض من الأخذ يمنة ويسرة بحسب النشز من جبل وطرق وكدية{[2]} ونحوه ، و «الأمت » ما يعتري الأرض من ارتفاع وانخفاض ، يقال مد حبله حتى ما ترك فيه أمتاً فكأن «الأمت » في الآية العوج في السماء تجاه الهواء ، و «العوج » في الآية مختص بالعرض{[3]} وفي هذا نظر .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{لا ترى فيها عوجا} يعني: خفضا {ولا أمتا} يعني: رفعا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"لا تَرَى فِيها عِوَجا وَلا أَمْتا" يقول: لا ترى في الأرض عوجا ولا أمتا.
واختلف أهل التأويل في معنى العوج والأمت؛
فقال بعضهم: عنى بالعوج في هذا الموضع: الأودية، وبالأمت: الروابي والنشوز... عن مجاهد "لا تَرَى فِيهَا عِوَجا وَلا أمْتا "قال: ارتفاعا، ولا انخفاضا...
وقال آخرون: بل عنى بالعوج في هذا الموضع: الصدوع، وبالأمت: الارتفاع من الآكام وأشباهها...
وقال آخرون: عنى بالعوج: الميل، وبالأمت: الأثر...
وقال آخرون: الأمت: المحاني والأحداب...
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عنى بالعوج: الميل، وذلك أن ذلك هو المعروف في كلام العرب.
فإن قال قائل: وهل في الأرض اليوم من عوج، فيقال: لا ترى فيها يومئذٍ عوجا. قيل: إن معنى ذلك: ليس فيها أودية وموانع تمنع الناظر أو السائر فيها عن الأخذ على الاستقامة، كما يحتاج اليوم من أخذ في بعض سبلها إلى الأخذ أحيانا يمينا، وأحيانا شمالاً، لما فيها من الجبال والأودية والبحار. وأما الأمت فإنه عند العرب: الانثناء والضعف. مسموع منهم: مدّ حبله حتى ما ترك فيه أمتا: أي انثناء وملأ سقاءه حتى ما ترك فيه أمتا... فالواجب إذا كان ذلك معنى الأمت عندهم أن يكون أصوب الأقوال في تأويله: ولا ارتفاع ولا انخفاض، لأن الانخفاض لم يكن إلاّ عن ارتفاع. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: لا ترى فيها ميلاً عن الاستواء، ولا ارتفاعا، ولا انخفاضا، ولكنها مستوية ملساء، كما قال جلّ ثناؤه: "قاعا صَفْصَفا".
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
اختيار هذا اللفظ له موقع حسن بديع في وصف الأرض بالاستواء والملاسة، ونفي الاعوجاج عنها على أبلغ ما يكون، وذلك أنك لو عمدت إلى قطعة أرض فسوّيتها وبالغت في التسوية على عينك وعيون البصراء من الفلاحة، واتفقتم على أنه لم يبق فيها اعوجاج قط، ثم استطلعت رأي المهندس فيها وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسية، لعثر فيها على عوج في غير موضع، لا يدرك ذلك بحاسة البصر ولكن بالقياس الهندسي، فنفى الله عزّ وعلا ذلك العوج الذي دقّ ولطف عن الإدراك، اللهمَّ إلا بالقياس الذي يعرفه صاحب التقدير والهندسة، وذلك الاعوجاج لما لم يدرك إلا بالقياس دون الإحساس لحق بالمعاني، فقيل فيه: عوج بالكسر. الأمت: النتوّ اليسير، يقال: مدّ حبله حتى ما فيه أمت.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{لا ترى} أي بالبصر و لا بالبصيرة {فيها} أي مواضع الجبال {عوجاً} بوجه من الوجوه، وعبر هنا بالكسر هو للمعاني، ولم يعبر بالفتح الذي يوصف به الأعيان، ومواضع الجبال أعيان لا معاني، نفياً للاعوجاج على أبلغ وجه، بمعنى أنك لو جمعت أهل الخبرة بتسوية الأراضي لاتفقوا على الحكم باستوائها، ثم لو جمعت أهل الهندسة فحكموا مقاييسهم العلمية فيها لحكموا بمثل ذلك {ولا أمتاً} أي شيئاً مرتفعاً كالكدية أو نتوّاً يسيراً أو شقاً أو اختلافاً.
أي: كأنها مستوية على (ميزان الماء) لا ترى فيها اعوجاجا ولا (أمتا) يعني: منخفض ومرتفع، فهي مستوية استواء تاما، كما نفعل نحن في الجدار، ونحرص على استوائه.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.