التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجٗا وَلَآ أَمۡتٗا} (107)

{ لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً ولا أَمْتاً } أى : لا ترى فى الأرض بعد اقتلاع الجبال منها ، مكانا منخضا ، كما لا ترى فيها { أَمْتاً } أى : مكانا مرتفعا ، بل تراها كلها مستوية ملساء كالصف الواحد .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : قد فرقوا بين العِوج والعَوج ، فقالوا : العِوج بالكسر فى المعانى : والعوج بالفتح فى الأعيان ، والأرض عين ، فكيف صح فيها المكسور العين ؟ .

قلت : اختيار هذا اللفظ له موقع حسن بديع فى وصف الأرض بالاستواء والملاسة ونفى الاعوجاج عنها على أبلغ ما يكون ، وذلك أنك لو عمدت إلى قطعة أرض فسويتها ، وبالغت فى التسوية على عينك وعيون البصراء ، واتفقتم على أنه لم يبق فيها اعوجاج قط ، ثم استطلعت رأى المهندس فيها ، وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسية ، لعثر فيها على عوج فى غير موضع ، لا يدرك ذلك بحاسة البصر ولكن بالقياس الهندسى ، فنفى الله ذلك العوج الذى دق ولطف عن الإدراك ، الله إلا بالقياس الذى يعرفه صاحب التقدير والهندسة ، وذلك الاعوجاج لما لم يدرك إلا بالقياس دون الإحساس لحق بالمعانى ، فقيل فيه ، عوج بالكسر والأمت : النتوء اليسير ، يقال : مد حبله حتى ما فيه أمت . . .