معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَزَكَرِيَّا وَيَحۡيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلۡيَاسَۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (85)

قوله تعالى : { وزكريا } ، هو زكريا بن آذن .

قوله تعالى : { ويحيى } ، وهو ابنه .

قوله تعالى : { وعيسى } ، وهو ابن مريم بنت عمران .

قوله تعالى : { وإلياس } ، واختلفوا فيه ، قال ابن مسعود : هو إدريس ، وله اسمان مثل يعقوب وإسرائيل ، والصحيح أنه غيره ، لأن الله تعالى ذكره في ولد نوح ، وإدريس جد أبي نوح ، وهو إلياس بن بشر ، بن فنحاص ، بن عيزار ، بن هارون ، بن عمران .

قوله تعالى : { كل من الصالحين } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَزَكَرِيَّا وَيَحۡيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلۡيَاسَۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (85)

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَزَكَرِيَّا وَيَحۡيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلۡيَاسَۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (85)

74

وقبل أن نغادر هذه الفقرة نحب أن نستمتع بنفحة من نفحات الحياة في عصر صحابة رسول الله [ ص ]

- وهذا القرآن يتنزل عليهم غضا ؛ وتشربه نفوسهم ؛ وتعيش به وله ؛ وتتعامل به وتتعايش بمدلولاته وإيحاءاته ومقتضياته ، في جد وفي وعي وفي التزام عجيب ، تأخذنا روعته وتبهرنا جديته ؛ وندرك منه كيف كان هذا الرهط الفريد من الناس ، وكيف صنع الله بهذا الرهط ما صنع من وفي الآيات ذكر لسبعة عشر نبيا رسولا - غير نوح وإبراهيم - وإشارة إلى آخرين ( من آبائهم وذرياتهم وإخوانهم ) . . والتعقيبات على هذا الموكب : ( وكذلك نجزي المحسنين ) . ( وكلا فضلنا على العالمين ) . . ( واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ) . . وكلها تعقيبات تقرر إحسان هذا الرهط الكريم واصطفاءه من الله ، وهدايته إلى الطريق المستقيم .

وذكر هذا الرهط على هذا النحو ، واستعراض هذا الموكب في هذه الصورة ، كله تمهيد للتقريرات التي تليه :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَزَكَرِيَّا وَيَحۡيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلۡيَاسَۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (85)

يخبر تعالى أنه وهب لإبراهيم إسحاق ، بعد أن طَعَن في السن ، وأيس هو وامرأته " سارة " من الولد ، فجاءته الملائكة وهم ذاهبون إلى قوم لوط ، فبشروهما بإسحاق ، فتعجبت المرأة من ذلك ، وقالت : { قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ } [ هود : 72 ، 73 ] ، وبشروه{[10946]} مع وجوده بنبوته ، وبأن له نسلا وعَقِبا ، كما قال : { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ } [ الصافات : 112 ] ، وهذا أكمل في البشارة ، وأعظم في النعمة ، وقال : { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } [ هود : 71 ] أي : ويولد لهذا المولود ولد في حياتكما ، فتقر أعينكما به كما قرت بوالده ، فإن الفرح بولد الولد شديد لبقاء النسل والعقب ، ولما كان ولد الشيخ والشيخة قد يتوهم أنه لا يَعْقب لضعفه ، وقعت البشارة به وبولده باسم " يعقوب " ، الذي فيه اشتقاق العقب والذرية ، وكان هذا مجازاة لإبراهيم ، عليه السلام ، حين اعتزل قومه وتركهم ، ونزح عنهم وهاجر من بلادهم ذاهبا إلى عبادة الله في الأرض ، فعوضه الله ، عَزَّ وجل ، عن قومه وعشيرته بأولاد صالحين من صلبه على دينه ، لتقر بهم عينه ، كما قال [ تعالى ]{[10947]} { فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيًّا } [ مريم : 49 ] ، وقال هاهنا : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلا هَدَيْنَا }

وقوله : { وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ } أي : من قبله ، هديناه كما هديناه ، ووهبنا له ذرية صالحة ، وكل منهما له خصوصية عظيمة ، أما نوح ، عليه السلام ، فإن الله تعالى لما أغرق أهل الأرض إلا من آمن به - وهم الذين صحبوه في السفينة - جعل الله ذريته هم الباقين ، فالناس كلهم من ذرية نوح ، وكذلك الخليل إبراهيم ، عليه السلام ، لم يبعث الله ، عَزَّ وجل ، بعده نبيا إلا من ذريته ، كما قال تعالى : { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ } الآية [ العنكبوت : 27 ] ، وقال تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ } [ الحديد : 26 ] ، وقال تعالى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا } [ مريم : 58 ] .

وقوله في هذه الآية الكريمة : { وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ } أي : وهدينا من ذريته { دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ } الآية ، وعود الضمير إلى " نوح " ؛ لأنه أقرب المذكورين ، ظاهر . وهو اختيار ابن جرير ، ولا إشكال عليه . وعوده إلى " إبراهيم " ؛ لأنه الذي سبق الكلام من أجله حسن ، لكن يشكل على ذلك " لوط " ، فإنه ليس من ذرية " إبراهيم " ، بل هو ابن أخيه مادان بن آزر ؛ اللهم إلا أن يقال : إنه دخل في الذرية تغليبًا ، كما في قوله تعالى : { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [ البقرة : 133 ] ، فإسماعيل عمه ، ودخل في آبائه تغليبا .

[ وكما قال في قوله : { فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلا إِبْلِيسَ } [ الحجر : 30 ، 31 ] فدخل إبليس في أمر الملائكة بالسجود ، وذم على المخالفة ؛ لأنه كان قد تشبه بهم ، فعومل معاملتهم ، ودخل معهم تغليبا ، وكان من الجن وطبيعتهم النار والملائكة من النور ]{[10948]}

وفي ذكر " عيسى " ، عليه السلام ، في ذرية " إبراهيم " أو " نوح " ، على القول الآخر دلالة على دخول ولد البنات في ذرية الرجال ؛ لأن " عيسى " ، عليه السلام ، إنما ينسب إلى " إبراهيم " ، عليه السلام ، بأمه " مريم " عليها السلام ، فإنه لا أب له .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا سهل بن يحيى العسكري ، حدثنا عبد الرحمن بن صالح ، حدثنا علي ابن عابس{[10949]} عن عبد الله بن عطاء المكي ، عن أبي حرب بن أبي الأسود قال : أرسل الحجاج إلى يحيى بن يَعْمُر فقال : بَلَغَني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم ، تجده في كتاب الله ، وقد قرأته من أوله إلى آخره فلم أجده ؟ قال : أليس تقرأ سورة الأنعام : { وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ } حتى بلغ { وَيَحْيَى وَعِيسَى } ؟ قال : بلى ، قال : أليس عيسى من ذرية إبراهيم ، وليس له أب ؟ قال : صدقت .

فلهذا إذا أوصى الرجل لذريته ، أو وقف على ذريته أو وهبهم ، دخل أولاد البنات فيهم ، فأما إذا أعطى الرجل بنيه أو وقف عليهم ، فإنه يختص بذلك بنوه لصلبه وبنو بنيه ، واحتجوا بقول الشاعر العربي :

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا *** بنوهن أبناء الرجال الأجانب{[10950]}

وقال آخرون : ويدخل بنو البنات فيه أيضا ، لما ثبت في صحيح البخاري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للحسن بن علي : " إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " {[10951]} فسماه ابنا ، فدل على دخوله في الأبناء .

وقال آخرون : هذا تجوز .


[10946]:في م: "وبشروها".
[10947]:زيادة من أ.
[10948]:زيادة من م، أ.
[10949]:في أ: "عباس".
[10950]:ذكره ابن عقيل في شواهده على ألفية ابن مالك برقم (51). وعنده "الأباعد" بدل "الأجانب".
[10951]:صحيح البخاري برقم (2704) من حديث أبي بكرة، رضي الله عنه.

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَزَكَرِيَّا وَيَحۡيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلۡيَاسَۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (85)

{ وزكريا } فيما يقال هو ابن آذر بن بركنا ، { وعيسى } ابن مريم بنت عمران بن ياشهم بن أمون بن حزينا ، { والياس } هو ابن نسي بن فنحاص بن العيزان بن هارون بن عمران ، وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال إدريس هو الياس ، ورد ذلك الطبري وغيره بأن إدريس هو جد نوح ، تظاهرت بذلك الروايات «وزكرياء » قرأته طائفة بالمد ، وقرأته طائفة بالقصر «زكريا » ، وقرأ ابن عامر باختلاف عنه ، والحسن وقتادة بتسهيل الهمزة من الياس ، وفي هذه الآية أن عيسى عليه السلام من ذرية نوح أو إبراهيم بحسب الاختلاف في عود الضمير من ذريته ، وهو ابن ابنته ، وبهذا يستدل في الأحباس على أن ولد البنت من الذرية .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَزَكَرِيَّا وَيَحۡيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلۡيَاسَۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (85)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وهدينا أيضا لمثل الذي هدينا له نوحا من الهدى والرشاد من ذرّيته زكريا ويحيى بن زكريا، وعيسى ابن مريم ابنة عمران، وإلياس...

"كُلّ مِنَ الصّالِحِينَ": من ذكرناه من هؤلاء الذين سمينا من الصالحين، يعني: زكريا، ويحيى، وعيسى، وإلياس صلى الله عليهم.

أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :

.. {كل من الصالحين} الكاملين في الصلاح وهو: الإتيان بما ينبغي والتحرز عما لا ينبغي.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

عطف على « نوحا هدينا» أي وهدينا من ذريته داود وسليمان إلخ. وقد جزم ابن جرير شيخ المفسرين بأن الضمير في ذريته لنوح وتابعه على ذلك بعض المفسرين واحتجوا بأنه أقرب في الذكر وبأن لوطا ويونس ليسا من ذرية إبراهيم، وزاد بعضهم أن ولد المرء لا يعد من ذريته فلا يقال أن إسماعيل من ذرية إبراهيم. وهذا القول لا يصلح لتصريح أهل اللغة بأن الذرية النسل مطلقا.

وأخذ بعضهم من قوله تعالى: {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون} أن الذرية تطلق على الأصول كما تطلق على الفروع، وذلك بناء على أن المراد بالفلك المشحون سفينة نوح. وقال بعضهم إن الذرية هنا للفروع المقدرة في أصلاب الأصول، والقول الآخر في الفلك المشحون، أنه سفين التجارة التي كان المخاطبون يرسلون فيها أولادهم يتجرون.

وذهب سائر المفسرين إلى أن الضمير عائد إلى إبراهيم لأن الكلام في شأنه، وما أتاه الله تعالى من فضله، وإنما ذكر نوحا لأنه جده، فهو لبيان نعم الله عليه في أفضل أصوله، تمهيدا لبيان نعمه عليه في الكثير من فروعه، ويزاد على ذلك أن الله جعل الكتاب والنبوة في نسلهما معا، منفردا ومجتمعا، كما قال تعالى في سورة الحديد: {ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب} [الحديد: 26] وقال بعض هؤلاء: إن يونس من ذرية إبراهيم، وإن لوطا ابن أخيه وقد هاجر معه فهو يدخل في ذريته بطريق التغليب، ويعد منها بطريق التجوز الذي يسمون به العم أبا، وتقدم بيان هذا التجوز في الكلام على أبي إبراهيم صلى الله عليه وسلم في فاتحة تفسير هذا السياق.

وقد ذكر الله تعالى في هذه الآيات الثلاث أربعة عشر نبيا لم يرتبهم على حسب تاريخهم وأزمانهم لأنه أنزل كتابه هدى وموعظة لا تاريخا – ولا على حسب فضلهم ومناقبهم لأن كتابه ليس كتاب مناقب ومدائح وإنما هو كتاب تذكرة وعبرة، وقد جعلهم ثلاثة أقسام لمعان في ذلك جامعة بين كل قسم منهم.

فالقسم الأول: داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون، والمعنى الجامع بين هؤلاء أن الله أتاهم الملك والإمارة، والحكم والسيادة، مع النبوة والرسالة، وقد قدم ذكر داود وسليمان كانا ملكين غنيين منعمين، وذكر بعدهما أيوب ويوسف وكان الأول أميرا غنيا عظيما محسنا، والثاني وزيرا عظيما وحاكما متصرفا، ولكن كلا منهما قد ابتلى بالضراء فصبر، كما ابتلى بالسراء فشكر، وأما موسى وهارون فكانا حاكمين، ولكنهما لم يكونا ملكين، فكل زوجين من هؤلاء الأزواج الثلاثة ممتاز بمزية، والترتيب بين الأزواج على طريق التدلي في نعم الدنيا، وقد يكون على طريق الترقي في الدين، فداود وسليمان كانا أكثر تمتعا بنعم الدنيا، ودونهما أيوب ويوسف، ودونهما موسى وهارون، والظاهر أن موسى وهارون أفضل في هداية الدين وأعباء النبوة من أيوب ويوسف وأن هذين أفضل من داود وسليمان بجمعهما بين الشكر في السراء، والصبر في الضراء، والله أعلم.

وقد قال تعالى بعد ذكر هؤلاء {وكذلك نجزي المحسنين} أي بالجمع بين نعم الدنيا ورياستها بالحق، وهداية الدين إرشاد الخلق، وهذا كما قال الله تعالى في أحدهم يوسف {ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين} [يوسف: 22] فهو جزاء خاص بعضه معجل في الدنيا، أي ومثل هذا الجزاء في جنسه يجزي الله بعض المحسنين بحسب إحسانه في الدنيا قبل الآخرة، ومنهم من يرجئ جزاءه إلى الآخرة.

والقسم الثاني: زكريا ويحيى وعيسى وإلياس، وهؤلاء قد امتازوا في الأنبياء عليهم السلام بشدة الزهد في الدنيا والإعراض عن لذاتها، والرغبة عن زينتها وجاهها وسلطانها، ولذلك خصهم هنا بوصف الصالحين، وهو أليق بهم عند مقابلتهم بغيرهم، وإن كان كل نبي صالحا ومحسنا على الإطلاق.

والقسم الثالث: إسماعيل واليسع ويونس ولوط، وأخر ذكرهم لعدم الخصوصية إذ لم يكن لهم من ملك الدنيا أو سلطانها ما كان للقسم الأول، ولا من المغالبة في الإعراض عن الدنيا ما كان للقسم الثاني، وقد قفى على ذكرهم بالتفضيل على العالمين، الذي جعله الله تعالى لكل نبي على عالمي زمانه، فمن كان من النبيين منهم منفردا في عالم أو قوم كان أفضلهم على الإطلاق، وما وجد من نبيين فأكثر في عالم أو قوم فقد يكونون مع تفضيلهم على غيرهم، متفاضلين في أنفسهم، فلا شك أن إبراهيم أفضل من لوط المعاصر له، وأن موسى أفضل من أخيه هارون الذي كان وزيره، وأن عيسى أفضل من ابن خالته يحيى، صلوات الله عليهم أجمعين. وسيأتي ذكر بعضهم في بعض السور مفصلا وفي بعضها مختصرا، ولذلك نرجئ الكلام على كل منهم إلى تفسير تلك السور. والله المسؤول أن يوفقنا لتفسيرها وإتمام تفسير الكتاب العزيز على ما يحب ويرضى عز وجل.