غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَزَكَرِيَّا وَيَحۡيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلۡيَاسَۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (85)

84

التفسير : لما حكى حجج إبراهيم صلوات الرحمن عليه في التوحد والذب عن الدين الحنيفي عدّد وجوه نعمه وإحسانه عليه بعد نعمة إيتاء الحجة ورفع الدرجة فقال { ووهبنا له } باللفظ الدال على العظمة كما يقوله عظماء الملوك ليدل بذلك على عظم العطية ، وذلك أنه جعل أشرف الناس وهم الأنبياء والرسل من نسله وعقبه . قيل : وإنما لم يذكر إسماعيل مع إسحاق وإن كان هو أيضاً ابنه لصلبه ، لأن المقصود بالذكر هاهنا أنبياء بني إسرائيل وهم بأسرهم أولاد إسحاق ويعقوب ، وأما إسماعيل فإنه ما خرج من صلبه أحد من الأنبياء إلا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا يجوز ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المقام لأنه أمر محمداً أن يحتج على العرب بأن إبراهيم لما ترك الشرك وأصر على التوحيد شرفه الله بالنعم الجسام في الدين والدنيا ، ومن جملة ذلك أن آتاه أولاداً كانوا ملوكاً وأنبياء ، فإذا كان المحتج بهذه الحجة هو محمد امتنع أن يذكر نفسه في هذا المعرض ، فلهذا السبب لم يذكر إسماعيل مع إسحاق . أما قوله { ونوحاً هدينا من قبل } فالمقصود منه بيان كرامة إبراهيم بحسب الآباء أيضاً مثل نوح وإدريس وشيث ، وأما الضمير في قوله { ومن ذريته } فقد قيل : إنه يعود إلى «نوح » لأنه أقرب ولأنه تعالى ذكر في جملتهم لوطاً وهو كان ابن أخي إبراهيم وما كان من ذريته ، بل كان من ذرية نوح ، ولأن ولد الإنسان لا يقال إنه ذريته فعلى هذا إسماعيل ما كان من ذرية إبراهيم وكان من ذرية نوح ، ولأن يونس عليه السلام لم يكن من ذرية إبراهيم على قول بعضهم . وقيل : الضمير عائد إلى إبراهيم لأنه هو المقصود بالذكر هو هذا المقام . واعلم أن الله تعالى ذكر أربعة من الأنبياء وهم : نوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب . ثم ذكر من ذريتهم أربعة عشر نبياً : داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً . فالمجموع ثمانية عشر . وأنه لم يراع الترتيب بينهم في الآية لا بحسب الفضل والشرف ولا بحسب الزمان والمدة ، فاستدل العلماء بذلك على أن الواو لا تفيد الترتيب . وقال في التفسير الكبير : إن وجه الترتيب أنه تعالى خص كل طائفة من طوائف الأنبياء بنوع من الكرامة . فمن المراتب المعتبرة عند الجمهور الملك والسلطنة وقد أعطى داود وسليمان من ذلك نصيباً عظيماً ، والمرتبة الثانية البلاء والمحنة وقد خص أيوب بذلك ، والثالثة استجماع الحالتين وذلك في حق يوسف فإنه ابتلي أوّلاً ثم أوتي الملك ثانياً . الرابعة قوّة المعجزات وكثرة البراهين والبينات وذلك حال موسى وهارون الخامسة الزهد الكامل كما في حق زكريا ويحيى وعيسى وإلياس ولهذا وصفهم بأنهم من الصالحين . السادسة الأنبياء الذين ليس لهم في الخلق أتباع ولا أشياع وهم إسماعيل واليسع ويونس ولوط . وأما المراد بقوله { كلاً هدينا ونوحاً هدينا } قيل : المراد الهداية إلى طريق الجنة بدليل قوله { وكذلك نجزي المحسنين } فإن جزاء المحسن على إحسانه لا يكون إلا الثواب . وقيل : لا يبعد أن يقال : المراد الهداية إلى الدين والمعرفة لأنهم اجتهدوا في طلب الحق فجازاهم الله بالوصال والوصول كما قال { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } [ العنكبوت : 69 ] وقيل : إنها الإرشاد إلى النبوّة والرسالة لأن الهداية المخصوصة بالأنبياء ليست إلا ذلك ، وهذا إنما يصح عند من جوز أن تكون الرسالة جزاء على عمل . واستدل بعضهم بقوله { وكلاً فضلنا على العالمين } على أن الأنبياء أفضل من الملائكة ، وذلك أن العالم اسم لكل موجود سوى الله تعالى فيدخل فيه الملائكة وكذا الأولياء . وقيل : فضلناهم على عالمي زمانهم فلا يتم الاستدلال . قال القاضي : ويمكن أن يقال : المراد وكل من الأنبياء يفضلون على كل من سواهم من العالمين . ثم الكلام في أن أي الأنبياء أفضل من بعض كلام آخر لا تعلق له بالأول .