وعندما وجدوا أنفسهم عاجزين عن الرد على نبيهم بأسلوب مقارعة الحجة بالحجة ، لجأوا - على عادة طبقتهم - إلى أسلوب التحدى وقد أخذتهم العزة بالإِثم فقالوا - كما حكى القرآن عنهم :
{ قَالُواْ يانوح قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا . . . }
أى : قال قوم نوح - عليه السلام - له بعد أن غلبهم بحجته ، وعجزوا عن الدفاع عن أنفسهم : { يانوح قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا . . . }
أى : خاصمتنا ونازعتنا فأكثرت فى ذلك حتى لم تترك لنا منفذا للرد عليك ، والجدال : هو المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة . وأصله - كما يقول الآلوسى - من جدلت الحبل إذا أحكمت فتله ، ومنه الجديل - أى الحبل المفتول - وجدلت البناء : أحكمته ، والأجدال : الصقر المحكم البنية ، والمجدل - كمنبر القصر المحكم البناء . . .
وسميت المنازعة فى الرأى جدالا ، لأن كل واحد من المتجادلين كأنما ، يفتل الآخر عن رأيه - أى بصرفه عنه - . . .
وقيل : الأصل فى الجدال الصراع ، وإسقاط الإِنسان صاحبه على الجدالة - بفتح الجيم - أى : الأرض الصلبة .
ثم أضافوا إلى هذا العجز عن مجابهة الحجة سفاهة فى القول فقالوا : { فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين } .
أى : لقد سئمنا مجادلتك لنا ومللناها ، فأتنا بالعذاب الذى تتوعدنا به ، إن كنت من الصادقين فى دعواك النبوة ، وفى وعيدك لنا بعقاب الله ، فإننا مصرون على عبادة آلهتنا ، وكارهون لما تدعونا إليه .
وهذا شأن الجاهل المعاند ، إنه بشهر السيف إذا أعجزته الحجة ، ويعلن التحدى إذا يئس عن مواجهة الحق . . .
وعند هذا الحد كان الملأ من قوم نوح قد يئسوا من مناهضة الحجة بالحجة ؛ فإذا هم - على عادة طبقتهم - قد أخذتهم العزة بالإثم ، واستكبروا أن تغلبهم الحجة ، وأن يذعنوا للبرهان العقلي والفطري . وإذا هم يتركون الجدل إلى التحدي :
( قالوا : يا نوح قد جادلتنا ، فأكثرت جدالنا ، فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين )
إنه العجز يلبس ثوب القدرة ، والضعف يرتدي رداء القوة ؛ والخوف من غلبة الحق يأخذ شكل الاستهانة والتحدي :
( فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) . .
وأنزل بنا العذاب الأليم الذي أنذرتنا به فلسنا نصدقك ، ولسنا نبالي وعيدك .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ يَنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقِينَ } .
يقول تعالى ذكره : قال قوم نوح لنوح عليه السلام : قد خاصمتنا فأكثرت خصومتنا ، فأتنا بما تعدنا من العذاب إن كنت من الصادقين في عداتك ودعواك أنك لله رسول . يعني بذلك أنه لن يقدر على شيء من ذلك .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : جادَلْتَنا قال : ماريتنا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد : قالوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا قال : ماريتنا ، فَأكْثَرْتَ جِدَالَنا فَأْتِنا بِمَا تَعِدُنا قال ابن جُرَيج : تكذيبا بالعذاب ، وأنه باطل .
فصلت هذه الجملة فصلاً على طريقة حكاية الأقوال في المحاورات كما تقدم في قصة آدم عليه السلام من سورة البقرة .
والمجادلة : المخاصمة بالقول وإيراد الحجّة عليه ، فتكون في الخير كقوله : { يجادلنا في قوم لوطٍ } [ هود : 74 ] ، ويكون في الشر كقوله : { ولا جدال في الحجّ } [ البقرة : 197 ] . وإنما أرادوا أنه جادلهم فيما هو شر فعبّر عن مرادهم بلفظ الجدال الموجّه ، وقد مضى عند قوله تعالى : { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } في سورة [ النساء : 107 ] .
وهذا قول وقع عقب مجادلته المحكية في الآية قبل هذه ، فتعين أن تلك المجادلة كانت آخر مجادلة جادَلها قومه ، وأن ضجرهم وسآمتهم من تكرار مجادلته حصل ساعتئذٍ فقالوا قولهم هذا ، فكانت كلها مجادلات مضت . وكانت المجادلة الأخيرة هي الّتي استفزّت امتعاضهم من قوارع جدله حتى سئموا من تزييف معارضتهم وآرائهم شأن المبطل إذا دمغته الحجة ، ولذلك أرادوا طي بساط الجدال ، وأرادوا إفحامه بأن طلبوا تعجيل ما توعدهم من عذاب ينزل بهم كقوله آنفاً : { إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم } [ هود : 26 ] .
وقولهم : { فأكثرت جِدَالَنا } خبرٌ مستعمل في التذمر والتضجير والتأييس من الاقتناع ، أجابهم بالمبادرة لِبيان العذاب لأن ذلك أدخل في الموعظة فبادر به ثم عاد إلى بيان مجادلته .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قالوا يا نوح قد جادلتنا}، يعني ماريتنا، {فأكثرت جدالنا} يعني مراءنا، {فأتنا بما تعدنا} من العذاب، {إن كنت من الصادقين} بأن العذاب نازل بنا، لقوله في هذه الآية الأولى: {إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم} [هود:26]. وذلك أن الله أمر نوحا أن ينذرهم العذاب في سورة نوح فكذبوه، فقالوا: {فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} بأن العذاب نازل بنا...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: قال قوم نوح لنوح عليه السلام: قد خاصمتنا فأكثرت خصومتنا، فأتنا بما تعدنا من العذاب إن كنت من الصادقين في عداتك ودعواك أنك لله رسول، يعني بذلك أنه لن يقدر على شيء من ذلك...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
(قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا) قالوا ذلك لأنه قد كان طال عمره، وهو بين أظهرهم، ويدعوهم إلى الإيمان، فأكثر حجاجه ومجادلته إياهم، فقالوا: (فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) وكان يعدهم العذاب إن لم يجيبوه كقوله: (إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم) [الآية: 26] وما كان وعد لهم في غير آية من القرآن إن لم يجيبوه، فقالوا: (فأتنا بما تعدنا) من العذاب...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وحقيقة المجادلة: المقابلة بما يقبل الخصم من مذهبه بالحجة أو شبهه، وهو من الجدل لشدة الفتل، ويقال للصقر أجدل، لأنه أشد الطير.
و (الإكثار): الزيادة على مقدار الكفاية. و "الإقلال "النقصان عن مقدار الكفاية. والفرق بين الجدال والحجاج: أن المطلوب بالحجاج ظهور الحجة، والمطلوب بالجدال الرجوع عن المذهب. والمراء مذموم لأنه مخاصمة في الحق بعد ظهور الحق كمري الضرع بعد دروره، وليس كذلك الجدال. وفي الآية دلالة على حسن الجدال في الدين، لأنه لو لم يكن حسنا لما استعمله نوح مع قومه، لأن الأنبياء لا يفعلون إلا ما يحسن فعله...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أوضح لهم من البراهين ما لو أنعموا النظر فيه لتمَّ لهم اليقين، ولكنهم أصروا على الجحود، ولم يقنعوا من الموعود بغير المشهود...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
معناه: قد طال منك هذا الجدال، وهو المراجعة في الحجة والمخاصمة والمقابلة بالأقوال حتى تقع الغلبة...
ومن الجدال ما هو محمود، وذلك إذا كان مع كافر حربي في منعته ويطمع في الجدال أن يهتدي، ومن ذلك هذه الآية، ومنه قوله تعالى: {وجادلهم بالتي هي أحسن} إلى غير ذلك من الأمثلة. ومن الجدال ما هو مكروه، وهو ما يقع بين المسلمين بعضهم في بعض في طلب علل الشرائع وتصور ما يخبر الشرع به من قدرة الله، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وكرهه العلماء، والله المستعان...
اعلم أن الكفار لما أوردوا تلك الشبهة وأجاب نوح عليه السلام عنها بالجوابات الموافقة الصحيحة، أورد الكفار على نوح كلامين:
الأول: أنهم وصفوه بكثرة المجادلة فقالوا:"يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا"، وهذا يدل على أنه عليه السلام كان قد أكثر في الجدال معهم، وذلك الجدال ما كان إلا في إثبات التوحيد والنبوة والمعاد، وهذا يدل على أن الجدال في تقرير الدلائل وفي إزالة الشبهات حرفة الأنبياء، وعلى أن التقليد والجهل والإصرار على الباطل حرفة الكفار.
والثاني: أنهم استعجلوا العذاب الذي كان يتوعدهم به، فقالوا: {فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين}.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما استوفى نقض ما أبرموه في زعمهم من جوابهم على غاية الإنصاف واللين والاستعطاف، استأنف الحكاية عنهم بقوله: {قالوا} أي قول من لم يجد في رده شبهة يبديها ولا مدفعاً يغير به: {يا نوح قد جادلتنا} أي أردت فتلنا وصرفنا عن آرائنا بالحجاج وأردنا صرفك عن رأيك بمثل ذلك {فأكثرت} أي فتسبب عن ذلك وعن تضجرنا أنك أكثرت {جدالنا} أي كلامنا على صورة الجدال {فأتنا} أي فتسبب عن ذلك وعن تضجرنا أن نقول لك: لم يصح عندنا دعواك، ائتنا {بما تعدنا} من العذاب {إن كنت} أي كوناً هو جبلة لك {من الصادقين} أي العريقين في الصدق في أنه يأتينا فصرحوا بالعناد المبعد من الإنصاف والاتصاف بالسداد وسموه باسمه ولم يسمحوا بأن يقولوا له: يا ابن عمنا، مرة واحدة كما كرر لهم: يا قوم، فكان المعنى أنا غير قابلين لشيء مما تقول وإن أكثرت وأطلت -بغير حجة منهم بل عناداً وكبراً فلا تتعب، بل قصر الأمر مما تتوعدنا به، وسموه وعداً سخرية به، أي أن هذا الذي جعلته وعيداً هو عندنا وعد حسن سار باعتبار أنا نحب حلوله، المعنى أنك لست قادراً على ذلك ولا أنت صادق فيه، فإن كان حقاً فائتنا به...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
ولما حجّهم عليه الصلاة والسلام وأبرز لهم بيناتٍ واضحةَ المدلولِ وحُججاً تتلقاها العقولُ بالقَبول وألقمهم الحجرَ برد شُبهِهم الباطلةِ، ضاقت عليهم الحيلُ وعيّت بهم العللُ وقالوا: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا}.
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :
ثم جاوبوه بغير ما تقدّم من كلامهم وكلامه عجزاً عن القيام بالحجة، وقصوراً عن رتبة المناظرة، وانقطاعاً عن المباراة بقولهم: {يا نوح قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} أي: خاصمتنا بأنواع الخصام، ودفعتنا بكل حجة لها مدخل في المقام، ولم يبق لنا في هذا الباب مجال، فقد ضاقت علينا المسالك، وانسدّت أبواب الحيل {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} من العذاب الذي تخوّفنا منه، وتخافه علينا.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
قال الراغب: الجدال: المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله من جدلت الحبل إذا أحكمت فتله ومنه الجديل [أي الحبل المفتول] وجدلت البناء أحكمته، ودرع مجدول والأجدل الصقر المحكم البنية، والمجدل [كمنبر] القصر المحكم البناء، ومنه الجدال فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر على رأيه. وقيل الأصل في الجدال الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة وهي [بالفتح] الأرض الصلبة،اه، وقال الفيومي في المصباح المنير: جدل الرجل جدلا فهو جدل من باب تعب إذا اشتدت خصومته، وجادل مجادلة إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب، هذا أصله، ثم استعمل في لسان حملة الشرع في مقابلة الأدلة لظهور أرجحها، وهو محمود إن كان للوقوف على الحق وإلا فمذموم اه. وقد ورد عدة أحاديث وآثار في ذم الجدل والنهي عنه منها (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي أمامة مرفوعا.
{قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا} أي قد خاصمتنا وحاججتنا فأكثرت جدالنا، واستقصيت فيه فلم تدع لنا حجة إلا دحضتها حتى مللنا وسئمنا ولم يبق عندنا شيء نقوله- يدل على هذا قوله: {قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا} [نوح: 5، 6] الخ وقوله لهم في التعبير عن هذه الحالة من سورة يونس {يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله} [يونس: 71] الخ {فأتنا بما تعدنا} من عذاب الله الدنيوي الذي تخافه علينا، الأقرب أن يكون المراد به قوله: {إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم} [هود: 26] ويجوز أن يكون غيره كما تقدم {إن كنت من الصادقين} في دعواك أن الله يعاقبنا على عصيانه في الدنيا قبل الآخرة.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
فهلا قالوا: إن كانوا صادقين: يا نوح قد نصحتنا، وأشفقت علينا، ودعوتنا إلى أمر، لم يتبين لنا، فنريد منك أن تبينه لنا لننقاد لك، وإلا فأنت مشكور في نصحك. لكان هذا الجواب المنصف الذي قد دعي إلى أمر خفي عليه، ولكنهم في قولهم كاذبون وعلى نبيهم متجرئون ولم يردوا ما قاله بأدنى شبهة فضلا عن أن يردوه بحجة. ولهذا عدلوا -من جهلهم وظلمهم- إلى الاستعجال بالعذاب، وتعجيز الله...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إنه العجز يلبس ثوب القدرة، والضعف يرتدي رداء القوة؛ والخوف من غلبة الحق يأخذ شكل الاستهانة والتحدي: (فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين).. وأنزل بنا العذاب الأليم الذي أنذرتنا به فلسنا نصدقك، ولسنا نبالي وعيدك...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
المجادلة: المخاصمة بالقول وإيراد الحجّة عليه، فتكون في الخير كقوله: {يجادلنا في قوم لوطٍ} [هود: 74]، ويكون في الشر كقوله: {ولا جدال في الحجّ} [البقرة: 197]... وهذا قول وقع عقب مجادلته المحكية في الآية قبل هذه، فتعين أن تلك المجادلة كانت آخر مجادلة جادَلها قومه، وأن ضجرهم وسآمتهم من تكرار مجادلته حصل ساعتئذٍ فقالوا قولهم هذا، فكانت كلها مجادلات مضت. وكانت المجادلة الأخيرة هي الّتي استفزّت امتعاضهم من قوارع جدله حتى سئموا من تزييف معارضتهم وآرائهم شأن المبطل إذا دمغته الحجة، ولذلك أرادوا طي بساط الجدال، وأرادوا إفحامه بأن طلبوا تعجيل ما توعدهم من عذاب ينزل بهم كقوله آنفاً: {إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم} [هود: 26]. وقولهم: {فأكثرت جِدَالَنا} خبرٌ مستعمل في التذمر والتضجير والتأييس من الاقتناع، أجابهم بالمبادرة لِبيان العذاب لأن ذلك أدخل في الموعظة فبادر به ثم عاد إلى بيان مجادلته. والإتيان بالشيء: إحضاره. وأرادوا به تعجيله وعدم إنظاره...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
هذا الأمر يشبه تماماً عندما ندخل في جدال مع شخص أو أشخاص ونسمع منهم تهديداً ضمنياً حين المجادلة فنقول: كفى هذا الكلام الكثير!! اذهبوا وافعلوا ما شئتم ولا تتأخروا، فمثل هذا الكلام يشير إلى أنّنا لا نكترث بكلامهم ولا نخاف من تهديدهم، ولسنا مستعدين أن نسمع منهم كلاماً أكثر. فاختيار هذه الطريقة إِزاء كل ذلك اللطف وتلك المحبّة من قبل أنبياء الله ونصائحهم التي تجري كالماء الزلال على القلوب، إنّما تحكي عن مدى اللجاجة والتعصب الأعمى لدى تلك الأقوام. في الوقت ذاته يشعرنا كلام نوح (عليه السلام) بأنّه سعى مدّة طويلة لهداية قومه، ولم يترك فرصةً للوصول إلى الهدف إلاّ انتهزها لإِرشادهم، ولكن قومه الضالين أظهروا جزعهم من أقواله وإِرشاداته.