ثم أخبر - سبحانه - عن شمول علمه لكل شيء فقال : { إِنَّ الله لاَ يخفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرض وَلاَ فِي السماء } .
أى أنه سبحانه - هو المطلع على كل صغير وكبير . وجليل وحقير ، في هذا الكون ، لأنه هو الخالق له ، والمهيمن على شئونه . وصدق - سبحانه - حيث يقول : { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطيف الخبير } وذكر - سبحانه - السماء والأرض ، للإِشارة إلى أن علمه وسع كل شئ ، وسع السموات والأرض ، وليس الإِنسان بالنسبة لهما إلا كائنا صغيرا فكيف لا يعلم - سبحانه - ما يسره هذا الانسان وما يخفيه ؟
وفى تكرير حرف النهى " لا " تأكيد لنفى خفاء أى شئ عليه - سبحانه - والآية الكريمة وعيد شديد للكافرين بآياته ، لأنه - سبحانه - وهو العليم بما يسرونه وما يعلنونه ، سيجازيهم بمقتضى علمه بما يستحقونه .
وفي صدد التهديد بالعذاب والانتقام يؤكد لهم علم الله الذي لا يند عنه شيء ، فلا خفاء عليه ولا إفلات منه :
( إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ) . .
وتوكيد العلم المطلق الذي لا يخفى عليه شيء ، وإثبات هذه الصفة لله - سبحانه - في هذا المقام . . هذا التوكيد يتفق أولا مع وحدانية الألوهية والقوامة التي افتتح بها السياق . كما يتفق مع التهديد الرعيب في الآية السابقة . . فلن يفلت " شيء " من علم الله ( في الأرض ولا في السماء ) بهذا الشمول والإطلاق . ولن يمكن إذن ستر النوايا عليه ، ولا إخفاء الكيد عنه . ولن يمكن كذلك التفلت من الجزاء الدقيق ، ولا التهرب من العلم اللطيف العميق .
{ إِنّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرْضِ وَلاَ فِي السّمَآءِ }
يعني بذلك جلّ ثناؤه : إن الله لا يخفى عليه شيء وهو في الأرض ولا شيء وهو في السماء . يقول : فيكف يخفى عليّ يا محمد ، وأنا علام جميع الأشياء ، ما يُضَاهَى به هؤلاء الذين يجادلونك في آيات الله من نصارى جران في عيسى ابن مريم في مقالتهم التي يقولونها فيه ؟ كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { إنّ اللّهَ لا يخفى عليه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ } أي قد علم ما يريدون وما يكيدون وما يضاهون بقولهم في عيسى إذ جعلوه ربا وإلها ، وعندهم من علمه غير ذلك ، غرّةً بالله وكفرا به .
استئناف يتنزّل منزلة البيان لوصف الحي لأنّ عموم العلم يبيِّن كمال الحياة . وجيء ب ( شيء ) هنا لأنّه من الأسماء العامة .
وقوله : { في الأرض ولا في السماء } قصد منه عمومُ أمكنة الأشياء ، فالمراد من الأرض الكرة الأرضية : بما فيها من بحار ، والمراد بالسماء جنس السموات : وهي العوالم المتباعدة عن الأرض . وابتدىء في الذكر بالأرض ليتسنَّى التدرّج في العطف إلى الأبعد في الحكم ؛ لأنّ أشياء الأرض يعلم كثيراً منها كثيرٌ من الناس ، أما أشياء السماء فلا يعلم أحد بعضها فضلاً عن علم جميعها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.