قوله تعالى : { فوربك لنسألنهم أجمعين } ، يوم القيامة .
قوله تعالى : { عما كانوا يعملون } في الدنيا ، قال محمد بن إسماعيل قال عدة من أهل العلم : عن قوله لا إله إلا الله . فإن قيل : كيف الجمع بين هذه الآية وبن قوله تعالى : { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } [ الرحمن-39 ] . قال ابن عباس : لا يسألهم هل عملتم ، لأنه أعلم بهم منهم ، ولكن يقول : عملتم كذا وكذا ؟ واعتمده قطرب فقال : السؤال ضربان ، سؤال استعلام ، وسؤال توبيخ ، فقوله تعالى : { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } [ الرحمن-39 ] ، يعني : استعلاما . وقوله : { لنسألنهم أجمعين } يعني توبيخا وتقريعا . وقال عكرمة عن ابن عباس في الآيتين : إن يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف يسألون في بعض المواقف ، ولا يسألون في بعضها . نظيره قوله تعالى : { هذا يوم لا ينطقون } [ المرسلات-35 ] ، وقال في آية أخرى : { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } [ الزمر-31 ] .
ثم أكد - سبحانه - هذا التهديد والوعيد فقال : { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .
والفاء هنا متفرعة على ما سبق تأكيده في قوله { وَإِنَّ الساعة لآتِيَةٌ . . . } إذ في هذا اليوم يكون سؤالهم .
والواو للقسم ، أى : فوحق ربك - أيها الرسول الكريم - الذي خلقك فسواك فعدلك ، لنسألن هؤلاء المكذبين جميعًا ، سؤال توبيخ وتقريع وتبكيت ، عما كانوا يعملونه في الدنيا من أعمال قبيحة : وعما كانوا يقولونه من أقوال فاسدة ، ثم لننزلن بهم جميعًا العقوبة المناسبة لهم .
فالمقصود من هذه الآية الكريمة زيادة التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتأكيد التهديد للمشركين .
القول في تأويل قوله تعالى { فَوَرَبّكَ لَنَسْأَلَنّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فوربك يا محمد لنسألنّ هؤلاء الذين جعلوا القرآن في الدنيا عضين في الاَخرة عما كانوا يعملون في الدنيا ، فيما أمرناهم به وفيما بعثناك به إليهم من آي كتابي الذي أنزلته إليهم وفيما دعوناهم إليه من الإقرار به ومن توحيدي والبراءة من الأنداد والأوثان .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثا ، عن بشير ، عن أنس ، في قوله : فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنّهُمْ أجمَعِينَ قال : عن شهادة أن لا إله إلاّ الله .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن ليث ، عن بشير بن نهيك ، عن أنس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنّهُمْ أجمَعِينَ قال : «عَنْ لا إله إلاّ الله » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن بشير ، عن أنس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قولفَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنّهُمْ أجمَعِينَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ قال : عن لا إله إلاّ الله .
حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن هلال ، عن عبد الله بن عُكَيْم ، قال : قال عبد الله : والذي لا إله غيره ، ما منكم أحد إلاّ سيخلو الله به يوم القيامة كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر ، فيقول : ابن آدم ماذا غرّك مني بي ابن آدم ؟ ماذا عملت فيما علمت ابن آدم ؟ ماذا أجبت المرسلين ؟
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنّهُمْ أجمَعِينَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ قال : يُسأل العباد كلهم عن خَلّتين يوم القيامة : عما كانوا يعبدون ، وعما أجابوا المرسلين .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا الحسين الجعفي ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي عن ابن عمر : لَنَسْئَلَنّهُمْ أجمَعِينَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ قال : عن لا إله إلاّ الله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس قوله : فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنّهُمْ أجمَعِينَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ . ثم قال : فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلا جانّ قال : لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا ؟ لأنه أعلم بذلك منهم ، ولكن يقول لهم : لِمَ عملتم كذا وكذا ؟
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، مولى زيد بن ثابت ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أنزل الله تعالى ذكره : فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ فإنه أمر من الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم بتبليغ رسالته قومه وجميع من أرسل إليه .
وقوله { فوربك لنسألنهم } إلى آخر الآية ، ضمير عام ووعيد محض يأخذ كل أحد منه بحسب جرمه وعصيانه ، فالكافر يسأل عن لا إله إلا الله وعن الرسل وعن كفره وقصده به ، والمؤمن العاصي يسأل عن تضييعه ، والإمام عن رعيته ، وكل مكلف عما كلف القيام به ، وفي هذا المعنى أحاديث ، وقال أبو العالية في تفسير هذه الآية : يسأل العباد كلهم عن خلتين يوم القيامة عما كانوا يعبدون وماذا أجابوا المرسلين ، وقال في تفسيرها أنس بن مالك وابن عمر ومجاهد : إن السؤال عن لا إله إلا الله ، وذكره الزهراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن عباس في قوله { فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون }{[7228]} ، قال يقال لهم : لم عملتم كذا وكذا ؟ قال وقوله تعالى : { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان }{[7229]} [ الرحمن : 39 ] معناه يقال له ما أذنبت لأن الله تعالى أعلم بذنبه منه .
الفاء للتفريع ، وهذا تفريع على ما سبق من قوله تعالى : { وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل } [ سورة الحجر : 85 ] .
والواو للقسم ، فالمفرع هو القسم وجوابُه . والمقصود بالقسم تأكيد الخبر . وليس الرسول عليه الصلاة والسلام ممن يشكّ في صدق هذا الوعيد ؛ ولكن التأكيد متسلطّ على ما في الخبر من تهديد معاد ضمير النصب في { لنسألنهم } .
ووصف الربّ مضافاً إلى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم إيماء إلى أن في السؤال المقسم عليه حَظّاً من التنويه به ، وهو سؤال الله المكذّبين عن تكذيبهم إياه سؤال ربّ يغضب لرسوله عليه الصلاة والسلام .
والسؤال مستعمل في لازم معناه وهو عقاب المسؤول كقوله تعالى : { ثم لتسألن يومئذٍ عن النعيم } [ سورة التكاثر : 8 ] فهو وعيد للفريقين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.