أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ} (7)

فأما من أوتي كتابه بيمينه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ} (7)

ثم قسم تعالى الناس إلى : المؤمن والكافر ، فالمؤمنون يعطون كتبهم بأيمانهم ومن ينفذ عليه الوعيد من عصاتهم فإنه يعطى كتابه عند خروجه من النار ، وقد جوز قوم أن يعطاه أولاً قبل دخوله النار ، وهذه الآية ترد على هذا القول ، و «الحساب اليسير » : هو العرض : وأما من نوقش الحساب ، فإنه يهلك ويعذب{[11705]} ، وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

«من حوسب عذب » فقالت عائشة : ألم يقل الله { فسوف يحاسب حساباً يسيراً } الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنا ذلك العرض ، وأما من نوقش الحساب فيهلك » وفي الحديث من طريق ابن عمر : «إن الله تعالى يدني العبد حتى يضع عليه كنفه ، فيقول : ألم أفعل بك كذا وكذا يعدد عليه نعمه ثم يقول له : فلم فعلت كذا وكذا لمعاصيه ، فيقف العبد حزيناً فيقول الله تعالى : سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم{[11706]} » وقالت عائشة : سمعت رسول النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «اللهم حاسبني حساباً يسيراً » قلت يا رسول الله ، وما هو ؟ فقال : «أن يتجاوز عن السيئات{[11707]} » وروي عن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من حاسب نفسه في الدنيا ، هون الله تعالى حسابه يوم القيامة{[11708]} »


[11705]:أخرجه أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، وابن المنذر، وابن مردويه، عن عائشة رضي الله عنها.
[11706]:أخرجه البخاري في الأدب وفي تفسير سورة هود وفي التوحيد، وأخرجه مسلم في التوبة، وابن ماجة في المقدمة، ولفظه كما في البخاري، عن صفوان بن محرز، قال: بينا ابن عمر يطوف إذ عرض رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، أو قال: يا بن عمر هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في النجوى؟ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يدنى المؤمن من ربه –وقال هشام: يدنو المؤمن- حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه، تعرف ذنب كذا؟ يقول: أعرف رب، يقول أعرف مرتين، فيقول: سترتها في الدنيا وأغفرها لك اليوم، ثم تطوى صحيفة حسناته، وأما الآخرون، أو الكفار، فينادى على رءوس الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم.
[11707]:أخرجه أحمد، وابن جرير، والحاكم وصححه، وابن مردويه، عن عائشة رضي الله عنها، ولفظه كما ذكره السيوطي في الدر المنثور: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: اللهم حاسبني حسابا يسيرا فلما انصرف قلت: يا رسول الله، ما الحساب اليسير؟ قال: أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه، إنه من نوقش الحساب هلك).
[11708]:لم أقف عليه، والذي رواه الترمذي في هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا). هذا وقد أورد الطبري سؤالا في موضوع الحساب فقال: "إن قال قائل: كيف قيل: (فسوف يحاسب) والمحاسبة لا تكون إلا بين اثنين، والله القائم بأعمالهم، ولا أحد له قبل ربه طلبة فيحاسبه؟ قيل: إن ذلك تقرير من الله للعبد بذنوبه، وإقرار من العبد بها وبما أحصاه كتاب عمله، فذلك المحاسبة على ما وصفنا، ولذلك قيل: يحاسب".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ} (7)

هذا تفصيل الإِجمال الذي في قوله : { إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه } [ الانشقاق : 6 ] أي رجوع جميع الناس أولئك إلى الله ، فمن أوتي كتابه بيمينه فريق من الناس هم المؤمنون ومن أوتي كتابه وراء ظهره فريق آخر وهم المشركون كما دلّ عليه قوله : { إنه ظن أن لن يحور } ، وبين منتهاهما مراتب . وإنما جاءت هذه الآية على اعتبار تقسيم الناس يومئذ بين أتقياء ومشركين .

والكِتاب : صحيفة الأعمال ، وجعل إيتاؤه إياه بيمينه شعاراً للسعادة لِما هو متعارف من أن اليد اليمنى تتناول الأشياء الزكية وهذا في غريزة البشر نشأ عن كون الجانب الأيمن من الجسد أقدر وأبدر للفعل الذي يتعلق العزم بعمله فارتكز في النفوس أن البركة في الجانب الأيمن حتى سَموا البركة والسعادة يُمناً ، ووسموا ضدها بالشؤم فكانت بركة اليمين مما وضعه الله تعالى في أصل فطرة الإنسان ، وتقدم عند قوله تعالى : { قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } في سورة [ الصافات : 28 ] ، وقوله : { وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين } [ الواقعة : 27 ] . وقوله : { وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال } في سورة [ الواقعة : 41 ] ، وقوله : { فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة } في سورة [ الواقعة : 8 ، 9 ] .

والباء في قوله : { بيمينه } للملابسة أو المصاحبة ، أو هي بمعنى ( في ) ، وهي متعلقة ب { أوتي } .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ} (7)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

فأما من أُعطي كتاب أعماله بيمينه...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

ثم قسم تعالى أحوال الخلق يوم القيامة فقال (فأما من أوتي كتابه بيمينه) يعني من أعطي كتابه الذي فيه ثبت أعماله من طاعة أو معصية بيده اليمنى...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

وهو المؤمن المحسن...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فأما من أوتي} بناه للمفعول إشارة إلى أن أمور الآخرة كلها قهر وفي غاية السهولة عليه سبحانه وتعالى، وفي هذه الدار للأمر وإن كان كذلك إلا أن الفرق في انكشاف ستر الأسباب هناك فلا دعوى لأحد {كتابه} أي صحيفة حسابه التي كتبتها الملائكة وهو لا يدري ولا يشعر {بيمينه} من أمامه وهو المؤمن المطيع...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

والذي يؤتى كتابه بيمينه هو المرضي السعيد، الذي آمن وأحسن، فرضي الله عنه وكتب له النجاة...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هذا تفصيل الإِجمال الذي في قوله: {إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه} أي رجوع جميع الناس أولئك إلى الله، فمن أوتي كتابه بيمينه فريق من الناس هم المؤمنون ومن أوتي كتابه وراء ظهره فريق آخر وهم المشركون كما دلّ عليه قوله: {إنه ظن أن لن يحور}، وبين منتهاهما مراتب. وإنما جاءت هذه الآية على اعتبار تقسيم الناس يومئذ بين أتقياء ومشركين. والكِتاب: صحيفة الأعمال، وجعل إيتاؤه إياه بيمينه شعاراً للسعادة لِما هو متعارف من أن اليد اليمنى تتناول الأشياء الزكية وهذا في غريزة البشر نشأ عن كون الجانب الأيمن من الجسد أقدر وأبدر للفعل الذي يتعلق العزم بعمله فارتكز في النفوس أن البركة في الجانب الأيمن حتى سَموا البركة والسعادة يُمناً، ووسموا ضدها بالشؤم فكانت بركة اليمين مما وضعه الله تعالى في أصل فطرة الإنسان، وتقدم عند قوله تعالى: {قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين} في سورة [الصافات: 28]، وقوله: {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين} [الواقعة: 27]. وقوله: {وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال} في سورة [الواقعة: 41]، وقوله: {فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة} في سورة [الواقعة: 8، 9]. والباء في قوله: {بيمينه} للملابسة أو المصاحبة، أو هي بمعنى (في)، وهي متعلقة ب {أوتي}...