تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ} (7)

الآيتان 7 و8 : وقوله تعالى : { فأما من أوتي كتابه بيمينه } { فسوف يحاسب حسابا يسيرا } [ فسماه حسابا يسيرا ]{[23357]} لوجوه :

أحدها : أن المؤمن اعتقد تصديق الرب في كل ما دعاه إليه . فإذا كان [ مصدقا ]{[23358]} سهل عليه تذكر{[23359]} ما قد عمله بتفكر الجملة .

[ والثاني ]{[23360]} : أنه إذا نظر في كتابه رأى حسناته مقبولة وسيئاته مغفورة ، فسمى ذلك اليوم يسيرا له لما أثبت فيه من الخيرات ، ومحي عنه من السيئات كما سميت الخيرات يسرى وسمي ما يجري عليها يسرا أيضا ، فكذلك الذي أوتي كتابه بيمينه ، يجري عليه الخير ، يسمى حسابه يسيرا .

[ والثالث ]{[23361]} : أن يكون المسلم ، يحاسب في أن يذكر ما أنعم عليه في الدنيا ، ولا يحاسب حساب توبيخ وتهويل بأن يقال له : لم فعلت كذا ؟ والكافر يسأل سؤال توبيخ ، فيقال : فعلت كذا على الإنحاء [ بالملائمة على ما ]{[23362]} فعل وفي ذلك تعسير عليه .

وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ( من نوقش في الحساب فهو معذب ) ) [ البخاري 6536 ] .

وفي بعضها : ( ( من حوسب عذب ) ) قالت : قلت يل رسول الله : ألم يقل الله تعالى : { فسوف يحاسب حسابا يسيرا } { وينقلب إلى أهله مسرورا } ؟ قال : ( ( ذلك العرض ، ولكن من نوقش الحساب هلك ) ) [ البخاري 4939 ] .

قال الفقيه ، رحمه الله : في ظاهر قوله عليه السلام : ( ( من نوقش الحساب عذب ) ) [ البخاري 6536 ] رفع ما قالته عائشة رضي الله عنها لأن الفهم من قوله عليه السلام : ( ( من نوقش الحساب ) ) غير الفهم من قوله تعالى : { فسوف يحاسب حسابا يسيرا } فليس في قوله ظاهر جواب لها ، وكان الظاهر من الكلام الأول على ما فهمته عائشة رضي الله عنها ولكن وجه الجواب فيه أن قوله عليه السلام : ( ( من حوسب عذب ) ) وقوله عز وجل : { فسوف يحاسب } ليس على كل الحساب ، وإنما هو على الحساب الذي لا يناقش فيه .

فأما الذي هو عرض فليس مما يعذب عليه ، فيكون فيه إبانة لا يفهم بالخطاب العام عموم المراد كما فهمته عائشة رضي الله عنها بل يجوز أن يكون الخطاب عاما ، والمراد منه خاصا .


[23357]:من م، ساقطة من الأصل.
[23358]:في الأصل وم: على التصديق.
[23359]:في الأصل وم: تذكير.
[23360]:في الأصل وم: ووجه آخر
[23361]:في الأصل وم: أو.
[23362]:في الأصل وم: بما.