التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَآءُ فَلۡيَأۡتُواْ بِشُرَكَآئِهِمۡ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ} (41)

{ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ( 34 ) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ( 35 ) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ( 36 ) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ 1( 37 ) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ2 ( 38 ) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ3( 39 ) سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ 4 ( 40 ) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ( 41 ) يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ 5 وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ( 42 ) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ 6 ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ( 43 ) } ( 34- 43 ) .

في هذه الآيات :

1- تقرير تبشيري بما للمتقين المصدقين عند ربهم من النعيم في جناته .

2- تساؤل على سبيل الإنكار عما إذا كان يصح أن يجعل الله المسلمين كالمجرمين في اليوم الآخر .

3- أسئلة فيها تحد وتهكم موجهة للمكذبين : فهل يظنون أن الله حقا يمكن أن يجعل المسلمين كالمجرمين ؟ وبأي وجه يحكمون بصحة هذا الظن ؛ وهل عندهم كتاب من الله يستندون إليه ويعلمون أن لهم في ذلك اليوم ما يشتهون ويختارون ؟ وهل عندهم عهد من الله مستمر وشامل ليوم القيامة بأن لهم فيه ما يبتغون ويحكمون ؟

4- وأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بسؤالهم عمن يضمن لهم ذلك ؛ وعما إذا كانوا يظنون أن شركائهم يفعلون ذلك حقاً ، وتحدّ لهم بدعوة هؤلاء الشركاء وطلب نصرتهم إن كانوا صادقين .

5- وحكاية لما سوف يكون من أمرهم يوم القيامة على سبيل الإنذار والتحدي والتبكيت : فحينما يشتد خطب ذلك اليوم عليهم ، وتستدعي حالة الخطر المحيق بهم أن يسارعوا إلى السجود طلباً لغفران الله فلسوف يعجزون ؛ لأنهم أضاعوا الفرصة التي سنحت لهم حينما كانوا يؤمرون بالسجود وهم في متسع من الوقت والسلامة فلا يسجدون ، ولسوف تكون أبصارهم حينئذ خاشعة من الرعب والخوف وقد حاقت بهم الذلة والهوان .

والآيات متصلة بالسياق السابق ، وهي استمرار له ، وتعقيب على المثل المضروب في القصة كما هو المتبادر .

وروح الآيات تلهم أن القصد من المتقين هم الذين آمنوا واستجابوا للدعوة ، فوقوا أنفسهم من غضب الله ، وأن القصد من المجرمين هم الذين جحدوا وتمردوا وناوأوا . وتلهم كذلك أن الكفار كانوا يزعمون أنهم في عقائدهم وتقاليدهم على حق . ولعل هذا الزعم متصل بما كان العرب يعرفونه ويقولون به من صلة تقاليدهم الدينية بإبراهيم عليه السلام وملته وصحفه .

وورود ضمير الجمع للمخاطب ، وأمر النبي عليه السلام بتوجيه الأسئلة والتحدي يمكن أن يلهما أن الموقف كان موقف مواجهة ومناظرة ، أو نتج عنه مواجهة ومناظرة وأن الكفار كانوا يصرون على صحة عقائدهم واتصالهم بتعاليم ربانية .

وحكاية مثل هذا الموقف تكررت كثيراً في القرآن ؛ مما يؤيد تكرر مواقف المناظرة والجدل والنقاش والحجاج الوجاهي بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار من حين لآخر ، مما هو طبيعي في نشر الدعوة .

/خ43