جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{قَالَ كَلَّآۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهۡدِينِ} (62)

{ قَالَ } موسى ثقة بوعد الله { كَلَّا } لن يدركوكم { إِنَّ مَعِيَ{[3677]}رَبِّي } بالنصرة { سَيَهْدِينِ } طريق{[3678]}النجاة


[3677]:قال شيخ الإسلام أبو العباس - رحمه الله- في شرح حديث النزول: اعلم أنه قد بسط الإمام أحمد الكلام على المعية في الرد على الجهمية، ولفظ المعية في كتاب الله جاء عاما كما في قوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} [الحديد: 4] وفي قوله: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} [المجادلة: 7] إلى قوله: {إلا هو معهم أينما كانوا} [المجادلة: 7]، وجاء خاصا كما في قوله: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} [النحل: 128]، وقوله: {إني معكما أسمع وأرى}، وقوله {لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40]، فلو كان المراد بذاته مع كل شيء لكان التعميم يناقض التخصيص، فإنه قد علم أن قوله: {لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40]، أراد به تخصيص نفسه، وأبا بكر دون عدوهم من الكفار، وكذلك قوله: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} [النحل: 128] خصهم بذلك دون الظالمين، والفجار وأيضا فلفظ معية ليست في لغة العرب ولا شيء من القرآن، أن يراد بها اختلاط إحدى الذاتين بالأخرى كما في قوله: {محمد رسول الله والذين معه} [الفتح: 29]، وقوله: {فأولئك مع المؤمنين} [النساء: 146]، وقوله: {اتقوا الله وكنوا مع الصادقين} [التوبة: 119]، وقوله: {جاهدوا معكم} [الأنفال: 75]، ومثل هذا كثير فامتنع أن يكون قوله: {وهو معكم} يدل على أن ذاته تكون مختلطة بذوات الخلق، وأيضا فإنه افتتح الآية بالعلم وختمها بالعلم، فكان السياق يدل على أنه أراد أنه عالم بهم، وقد بسط الكلام عليه في موضع آخر، وبين أن لفظ المعية في اللغة وإن اقتضى المجامعة والمصاحبة والمقاربة فهو إذا كان مع العباد لم يناف ذلك علوه على عرشه، ويكون حكم معيته في كل مواطن بحسبه، فمع الخلق كلهم بالعلم والقدرة والسلطان ويخص بعضهم بالإعانة والنصر والتأييد، وقال في موضع آخر من الكتاب المذكور: وقد ثبت عن السلف أنهم قالوا: هم معهم بعلمه، وقد ذكر ابن هبد البر، وغيره أن هذا إجماع الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، ولم يخالفهم فيه أحد يعتد بقوله، وهو مأثور عن ابن عباس، والضحاك، ومقاتل بن حيان، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، وغيرهم، ثم ذكر الأسانيد، وأطال الكلام / 12.
[3678]:ولا يبعد أن موسى عليه السلام استنبط ذلك من قول الله: {إنا معكم مستمعون} /12 وجيز.