البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا هُودٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَنَجَّيۡنَٰهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِيظٖ} (58)

{ ولما جاء أمرنا نجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ .

وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عاداً كفروا ربهم ألا بعداً لعاد قوم هود } : الأمر واحد الأمور ، فيكون كناية عن العذاب ، أو عن القضاء بهلاكهم .

أو مصدر أمر أي أمرنا للريح أو لخزنتها .

والذين آمنوا معه قيل : كانوا أربعة آلاف ، قيل : ثلاثة آلاف .

والظاهر تعلق برحمة منا بقوله : نجينا أي ، نجيناهم بمجرد رحمة من الله لحقتهم ، لا بأعمالهم الصالحة .

أو كنى بالرحمة عن أعمالهم الصالحة ، إذ توفيقهم لها إنما هو بسبب رحمته تعالى إياهم .

ويحتمل أن يكون متعلقاً بآمنوا أي : أنّ إيمانهم بالله وبتصديق رسوله إنما هو برحمة الله تعالى إياهم ، إذ وفقهم لذلك .

وتكررت التنجية على سبيل التوكيد ، ولقلق من لو لاصقت منا فأعيدت التنجية وهي الأولى ، أو تكون هذه التنجية هي من عذاب الآخرة ولا عذاب أغلظ منه ، فأعيدت لأجل اختلاف متعلقيها .

وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : فما معنى تكرير التنجية ؟ ( قلت ) : ذكر أولاً أنه حين أهلك عدوهم نجاهم ثم قال ونجيناهم من عذاب غليظ على معنى ، وكانت التنجية من عذاب غليظ قال : وذلك أن الله عز وعلا بعث عليهم السموم ، فكانت تدخل في أنوفهم وتخرج من أدبارهم وتقطعهم عضواً عضواً انتهى .

وهذا قاله الزجاج .

وقال ابن عطية : ويحتمل أن يريد ، وكانت النجاة المتقدمة من عذاب غليظ يريد الريح ، فيكون المقصود على هذا تعديد النعمة ، والمشهور في عذابهم بالريح أنها كانت تحملهم وتهدم مساكنهم وتنسفها ، وتحمل الظعينة كما هي ، ونحو هذا .

وتلك عاد إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه قال : { فسيحوا في الأرض } فانظروا إليها واعتبروا ،