أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظۡلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (42)

شرح الكلمات :

{ إنما السبيل } : أي بالعقوبة والأذية .

{ على الذين يظلمون الناس } : أي يعتدون عليهم في أعراضهم أو أبدانهم وأموالهم .

{ يبغون في الأرض بغير الحق } : أي ويطلبون في الأرض الفساد فيها بالشرك والظلم والإِجرام .

المعنى :

لقد تقدم قوله تعالى في الآية قبل هذه : { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل } فلما نفى عن المنتصرين السبيل إلى عقوبتهم أثبت هنا أن السبيل إلى العقوبة والمؤاخذة هو على الذين يظلمون الناس بالاعتداء عليهم في أبدانهم أو أعراضهم أو أموالهم ويبغون في الأرض بغير الحق أي ويطلبون الفساد فيها بالشرك والظلم والمعاصي ، وليس في الشرك والظلم والمعاصي من حق يبيحها ، وقوله { أولئك لهم عذاب أليم } أي للذين يبغون في الأرض بغير الحق لهم عذاب أليم أي موجع وهو عذاب الدنيا بعقوبتهم الصارمة ويوم القيامة أن لم يتوبوا من الظلم والفساد في الأرض .

الهداية :

من الهداية :

- لا سبيل إلى معاقبة من انتصر لنفسه بعد ظلمه .

- وجوب معاقبة الظالم والضرب على يديه .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظۡلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (42)

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظۡلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (42)

السادسة- قوله تعالى : " إنما السبيل على الذين يظلمون الناس " أي بعدوانهم عليهم ، في قول أكثر العلماء . وقال ابن جريج : أي يظلمونهم بالشرك المخالف لدينهم . " ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم " أي في النفوس والأموال ، في قول الأكثرين . وقال مقاتل : بغيهم عملهم بالمعاصي . وقال أبو مالك : هو ما يرجوه كفار قريش أن يكون بمكة غير الإسلام دينا . وعلى هذا الحد قال ابن زيد : إن هذا كله منسوخ بالجهاد ؛ لأن هذا للمشركين خاصة . وقول قتادة : إنه عام ، وكذا يدل ظاهر الكلام . وقد بيناه والحمد لله .

السابعة- قال ابن العربي : هذه الآية : في مقابلة الآية المتقدمة في " براءة " وهي قوله : " ما على المحسنين من سبيل " {[13543]} [ التوبة : 91 ] ؛ فكما نفى الله السبيل عمن أحسن ، فكذلك نفاها{[13544]} على من ظلم ، واستوفى بيان القسمين .

الثامنة- واختلف علماؤنا في السلطان يضع على أهل بلد مالا معلوما بأخذهم به ويؤدونه على قدر أموالهم ، هل لمن قدر على الخلاص من ذلك أن يفعل ، وهو إذا تخلص أخذ سائر أهل البلد بتمام ما جعل عليهم . فقيل لا ، وهو قول سحنون من علمائنا . وقيل : نعم ، له ذلك إن قدر على الخلاص ، وإليه ذهب أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي ثم المالكي . قال : ويدل عليه قول مالك في الساعي يأخذ من غنم أحد الخلطاء شاة وليس في جميعها نصاب إنها مظلمة على من أحذت له لا يرجع على أصحابه بشيء . قال : ولست آخذ بما روي عن سحنون ؛ لأن الظلم لا أسوة فيه ، ولا يلزم أحد أن يولج نفسه في ظلم مخافة أن يضاعف الظلم على غيره ، والله سبحانه يقول : " إنما السبيل على الذين يظلمون الناس " .

التاسعة- واختلفت العلماء في التحليل ، فكان ابن المسيب لا يحلل أحدا من عرض ولا مال . وكان سليمان بن يسار ومحمد بن سيرين يحللان من العرض والمال . ورأى مالك التحليل من المال دون العرض . روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك وسئل عن قول سعيد بن المسيب " لا أحلل أحدا " فقال : ذلك يختلف ، فقلت له يا أبا عبد الله ، الرجل يسلف الرجل فيهلك ولا وفاء له ؟ قال : أرى أن يحلله وهو أفضل عندي ، فإن الله تعالى : يقول : " الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه " [ الزمر : 18 ] . فقيل له : الرجل يظلم الرجل ؟ فقال : لا أرى ذلك ، هو عندي مخالف للأول ، يقول الله تعالى : " إنما السبيل على الذين يظلمون الناس " ويقول تعالى : " ما على المحسنين من سبيل " التوبة : 91 ] فلا أرى أن يجعله من ظلمه في حل . قال ابن العربي : فصار في المسألة ثلاثة أقوال : أحدها : لا يحلله بحال ، قاله سعيد بن المسيب . الثاني : يحلله ، قاله محمد بن سيرين . الثالث : إن كان مالا حلله وإن كان ظلما لم يحلله ، وهو قول مالك . وجه الأول ألا يحلل ما حرم الله ، فيكون كالتبديل لحكم الله . ووجه الثاني أنه حقه فله أن يسقط كما يسقط دمه وعرضه . ووجه الثالث الذي اختاره مالك هو أن الرجل إذا غلب على أداء حقك فمن الرفق به أن يتحلله ، وإن كان ظالما فمن الحق ألا تتركه لئلا تغتر الظلمة ويسترسلوا{[13545]} في أفعالهم القبيحة . وفي صحيح مسلم حديث أبي اليسر الطويل وفيه أنه قال لغريمه : اخرج إلي ، فقد علمت أين أنت ، فخرج ، فقال : ما حملك على أن اختبأت مني ؟ قال : أنا والله أحدثك ثم لا أكذبك ، خشيت والله أن أحدثك فأكذبك ، وأن أعدك فأخلفك ، وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت والله معسرا . قال قلت : آلله ؟ قال الله{[13546]} ؛ قال : فأتى بصحيفة فمحاها فقال : إن وجدت قضاء فاقض ، وإلا فأنت في حل . . . وذكر الحديث . قال ابن العربي : وهذا في الحي الذي يرجى له الأداء لسلامة الذمة ورجاء التمحل{[13547]} ، فكيف بالميت الذي لا محاللة له ولا ذمة معه .

العاشرة- قال بعض العلماء : إن من ظلم وأخذ له مال فإنما له ثواب ما احتبس عنه إلى موته ، ثم يرجع الثواب إلى ورثته ، ثم كذلك إلى آخرهم ؛ لأن المال يصير بعده للوارث . قال أبو جعفر الداودي المالكي : هذا صحيح في النظر ، وعلى هذا القول إن مات الظالم قبل من ظلمه ولم يترك شيئا أو ترك ما لم يعلم وارثه فيه بظلم لم تنتقل تباعة المظلوم إلى ورثة الظالم ؛ لأنه لم يبق للظالم ما يستوجبه ورثة المظلوم .


[13543]:آية 91.
[13544]:في ابن العربي:" أثبتها".
[13545]:في بعض الأصول:"ويستسرون" وفي البعض الآخر:" ويستشرون".
[13546]:قال النووي "الأوّل بهمزة ممدودة على الاستفهام، والثاني بلا مدّ، والهاء فيهما مكسورة. قال القاضي: ورويناه بفتحهما معا، وأكثر أهل العربية لا يجيزون إلا الكسر".
[13547]:في ابن العربي:" التحلل" وقد كتب على هامش نسخة من الأصل بخط الناسخ:" يقال تمحل أي احتال فهو متمحل. قاله الجوهري".
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظۡلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (42)

ولما نفى السبيل عنه بعد تشوف السامع إلى موضع ما أشعر به الكلام السابق من الظلم ، بين ذلك فقال : { إنما السبيل } أي الطريق السالك الذي لا منع منه أصلاً بالحرج والعنت { على } وجمع إعلاماً بكثرة المفسدين تجرئة على الانتصار منهم وإن كانوا كثيراً فإن الله خاذلهم فقال : { الذين يظلمون الناس } أي يوقعون بهم ظلمهم تعمداً عدواناً { ويبغون } أي يتجاوزن الحدود { في الأرض } بما يفسدها بعد إصلاحها بتهيئتها للصلاح طبعاً وفعلاً وعلماً وعملاً . ولما كان الفعل قد يكون بغياً وإن كان مصحوباً بحق كالانتصار المقترن بالتعدي فيه قال : { بغير الحق } أي الكامل ولما أثبت عليهم بهذا الكلام السبيل ، كان السامع جديراً بأن يسأل عنه فقال : { أولئك } أي البغضاء البعداء من الله { لهم عذاب أليم * } أي مؤلم بما آلموا من ظلموه من عباد الله بحيث يعم إيلامه أبدانهم وأرواحهم بما لها من المشاعر الظاهرة والباطنة .