جملة { قد قالها } مبيّنة لمضمون { هي فتنة } [ الزمر : 49 ] لأن بيان مغبة الذين قالوا هذا القول في شأن النعمة التي تنالهم يبين أن نعمة هؤلاء كانت فتنة لهم . وضمير { قالَهَا } عائد إلى قول القائل { إنما أوتيته على علم } [ الزمر : 49 ] ، على تأويل القول بالكلمة التي هي الجملة كقوله تعالى : { قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها } [ المؤمنون : 99 ، 100 ] .
و { الذين من قبلهم } هم غير المتدينين ممن سلفوا ممن علمهم الله ، ومنهم قارون وقد حكى عنه في سورة القصص أنه قال ذلك .
والمراد ب { ما كانوا يكسبون } ما كسبوه من أموال . وعدمُ إغنائه عنهم أنهم لم يستطيعوا دفع العذاب بأموالهم . والفاء في { فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون } لتفريع عدم إغناء ما كسبوه على مقالتهم تلكَ فإن عدم الإغناء مشعر بأنهم حل بهم من السوء ما شأن مثله أن يتطلب صاحبه الافتداء منه ، فإذا كان ذلك السوء عظيماً لم يكن له فداء ، ففي الكلام إيجاز حذف يبينه قوله بعده : { فأصابهم سيئات ما كسبوا } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قد قالها الذين من قبلهم}: قد قالها قارون في القصص...
يقول الله تبارك وتعالى: {فما أغنى عنهم} من العذاب يعني الخسف {ما كانوا يكسبون}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: قد قال هذه المقالة يعني قولهم: لنعمة الله التي خولهم وهم مشركون: أوتيناه على علم عندنا "الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ "يعني: الذي من قبل مشركي قُرَيش من الأمم الخالية لرسلها، تكذيبا منهم لهم، واستهزاء بهم. وقوله: "فَمَا أغْنَى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسَبُونَ" يقول: فلم يغن عنهم حين أتاهم بأس الله على تكذيبهم رسل الله واستهزائهم بهم ما كانوا يكسبون من الأعمال، وذلك عبادتهم الأوثان. يقول: لم تنفعهم خدمتهم إياها، ولم تشفع آلهتهم لهم عند الله حينئذ، ولكنها أسلمتهم وتبرأت منهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
لم تزل العادة من الكفرة والرؤساء منهم وأهل الثروة أن يقولوا مثل هذا الكلام والقول، وهو ما أخبر عن قوم حين قالوا: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} [الأعراف: 131] وما قال أهل مكة: {وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذَّبين} [سبإ: 35] وغير ذلك من أمثال هذا، لم يزالوا قائلين هذا...
زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 597 هـ :
{ما كانوا يكسبون} وفيه ثلاثة أقوال: الثالث: من الأموال...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {قد قالها} مبيّنة لمضمون {هي فتنة} [الزمر: 49] لأن بيان مغبة الذين قالوا هذا القول في شأن النعمة التي تنالهم يبين أن نعمة هؤلاء كانت فتنة لهم. وضمير {قالَهَا} عائد إلى قول القائل {إنما أوتيته على علم} [الزمر: 49]، على تأويل القول بالكلمة التي هي الجملة كقوله تعالى: {قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها} [المؤمنون: 99، 100].
والفاء في {فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون} لتفريع عدم إغناء ما كسبوه على مقالتهم تلكَ فإن عدم الإغناء مشعر بأنهم حل بهم من السوء ما شأن مثله أن يتطلب صاحبه الافتداء منه، فإذا كان ذلك السوء عظيماً لم يكن له فداء، ففي الكلام إيجاز حذف يبينه قوله بعده: {فأصابهم سيئات ما كسبوا}.
ثم يوضح الحق سبحانه أن هذه المسألة ليست كلمة نظرية، إنما هي حقيقة لها واقعٌ في تاريخ السابقين، فيقول: {قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [الزمر: 50] نعم قالها قارون {إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ} [القصص: 78].
ونقول: ما دمتَ قد أوتيته على علم، سواء علم من الله أنك أهلٌ لهذا الخير أو علم عندك ومهارة في العمل والتناول، فها هي النعمة بين يديك، وما عليك إلا أنْ تحفظها، وحِفْظ الشيء الموجود بين يديك أيسَرُ من إيجاده من العدم، فهل تستطيع؟
والمعنى أنني لا أقول لكم كلاماً نظرياً، بل هو واقع يؤيده التاريخ، فقد قالها قارون واغترَّ بها، ثم خسفنا به وبداره الأرض وهنا نشأتْ قضية: إذا كنتَ قد أوتيته على علم فاحفظه أيضاً على علم، لكن ما دام الأمر قد تخلَّى عنك في الحفظ وهو يسير، فأنت في الإيجاد أشدّ تخيلاً.
نعم {قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [الزمر: 50] لأن الله خسف بقارون وبداره أيضاً، فلم تذهب النعمة والثروة فحسب، بل طال الانتقام حتى الأرض والمكان الذي يعيش عليه ويبيت فيه ويستريح عليه.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.