تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۖ وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (4)

وقوله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي : إنما فَعلَ الله بهم ذلك وسَلَّط عليهم رسوله وعباده المؤمنين ؛ لأنهم خالفوا الله ورسوله ، وكذبوا بما أنزل الله على رسله المتقدمين في{[28510]} البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وهم يعرفون ذلك كما يعرفون أبناءهم ، ثم قال : { وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } .


[28510]:- (3) في م: "من".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۖ وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (4)

الإِشارة إلى جميع ما ذكر من إخراج الذين كفروا من ديارهم ، وقذف الرعب في قلوبهم ، وتخريب بيوتهم ، وإعداد العذاب لهم في الآخرة .

والباء للسببية وهي جَارَّة للمصدر المنسبك من ( أنَّ ) وجملتها .

والمشاقَّة : المخاصمة والعداوة قال تعالى : { ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم } [ النحل : 27 ] وقد تقدم نظيره في أول الأنفال .

والمشاقّة كالمحادّة مشتقة من الاسم . وهو الشِقّ ، كما اشتقت المحادّة من الحدّ ، كما تقدم في أول سورة المجادلة . وتقدم في سورة النساء ( 35 ) { وإن خفتم شقاق بينهما }

وقد كان بنو النضير ناصبوا المسلمين العِدَاء بعد أن سكنوا المدينة وأَضْرَوْا المنافقين وعاهدوا مشركي أهل مكة كما علمت آنفاً .

وجملة { ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب } تذييل ، أي شديد العقاب لكل من يشاققه من هؤلاء وغيرهم .

وعطف اسم الرسول صلى الله عليه وسلم على اسم الجلالة في الجملة الأولى لقصر تعظيم شأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليعلموا أن طاعته طاعة لله لأنه إنما يدعو إلى ما أمره الله بتبليغه ولم يعطف اسم الرسول صلى الله عليه وسلم في الجملة الثانية استغناء بما علم من الجملة الأولى .

وأدغم القافان في { يشاق } لأن الإِدغام والإِظهار في مثله جائزان في العربية . وقرىء بهما في قوله تعالى : { ومن يرتدد منكم عن دينه } في سورة البقرة ( 217 ) . والفكّ لغة الحجاز ، والإِدغام لغة بقية العرب .

وجملة { فإن الله شديد العقاب } دليل جواب { من } الشرطية إذ التقدير : ومن يشاقِ الله فالله معاقبهم إنه شديد العقاب .