في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۖ وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (4)

( ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله . ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب ) . .

والمشاقة أن يأخذوا لهم شقا غير شق الله ، وجانبا غير جانبه . وقد جعل الله جانبه هو جانب رسوله حين وصف علة استحقاقهم للعذاب في صدر الآية . فاكتفى في عجزها بمشاقة الله وحده فهي تشمل مشاقة الرسول وتتضمنها . ثم ليقف المشاقون في ناحية أمام الله - سبحانه - وهو موقف فيه تبجح قبيح ، حين يقف المخاليق في وجه الخالق يشاقونه ! وموقف كذلك رعيب ، وهذه المخاليق الضئيلة الهزيلة تتعرض لغضب الله وعقابه . وهو شديد العقاب .

وهكذا تستقر في القلوب حقيقة مصائر المشاقين لله في كل أرض وفي كل وقت . من خلال مصير الذين كفروا من أهل الكتاب ، وما استحقوا به هذا العقاب .

ولا يفوتنا أن نلحظ تسمية القرآن ليهود بني النضير بأنهم ( الذين كفروا من أهل الكتاب )وتكرار هذه الصفة في السورة . فهي حقيقة لأنهم كفروا بدين الله في صورته العليا التي جاء بها محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وقد كان اليهود ينتظرونها ويتوقعونها . وذكر هذه الصفة في الوقت نفسه يحمل بيانا بسبب التنكيل بهم ؛ كما أنه يعبئ شعور المسلمين تجاههم تعبئة روحية تطمئن لها قلوبهم فيما فعلوا معهم ، وفيما حل بهم من نكال وعذاب على أيديهم . فذكر هذه الحقيقة هنا مقصود ملحوظ !