تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدۡ كَذَّبَ أُمَمٞ مِّن قَبۡلِكُمۡۖ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ} (18)

وقوله : { وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ } أي : فبلغكم ما حل بهم من العذاب والنكال في مخالفة الرسل ، { وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ } يعني : إنما على الرسول أن يبلغكم ما أمره الله تعالى

به من الرسالة ، والله يضل مَنْ يشاء ويهدي مَنْ يشاء ، فاحرصوا{[22522]} لأنفسكم أن تكونوا من السعداء .

وقال قتادة في قوله : { وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ } قال : يُعزي نبيه صلى الله عليه وسلم . وهذا من قتادة يقتضي أنه قد انقطع الكلام الأول ، واعترض بهذا إلى قوله : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } . وهكذا نص على ذلك ابن جرير أيضا{[22523]} .

والظاهر من السياق أن كل هذا من كلام إبراهيم الخليل ، عليه السلام[ لقومه ]{[22524]} يحتج عليهم لإثبات المعاد ، لقوله بعد هذا كله : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } ، والله أعلم .


[22522]:- في ت : "فأخلصوا".
[22523]:- تفسير الطبري (20/89).
[22524]:- زيادة من أ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدۡ كَذَّبَ أُمَمٞ مِّن قَبۡلِكُمۡۖ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ} (18)

في قوله تعالى { وإن تكذبوا } الآية وعيد ، أي قد كذب غيركم وعذب وإنما على الرسول البلاغ ، وكل أحد بعد ذلك مأخوذ بعمله ، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم بخلاف عنه «أو لم تروا » بالتاء ، وقرأ الباقون «أو لم يروا » بالياء ، الأولى على المخاطبة والثانية على الحكاية عن الغائب .

وقرأ الجمهور «يبدىء » وقرأ عيسى وأبو عمرو بخلاف والزهري «يبدأ »{[9231]} وهذه الإحالة على ما يظهر مع الأحيان من إحياء الأرض والنبات وإعادته ونحو ذلك مما هو دليل على البعث من القبور والحشر .


[9231]:قراءة الجمهور [يبدىء] من (أبدأ)، والقراءة الثانية مضارع (بدأ). وقرأ الزهري: (يبدأ) بغير همزة محققة، بل هي مخففة كما قال ابن جني.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدۡ كَذَّبَ أُمَمٞ مِّن قَبۡلِكُمۡۖ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ} (18)

يجوز أن تكون هذه الجملة من بقية مقالة إبراهيم عليه السلام بأن يكون رأى منهم مخائل التكذيب ففرض وقوعه ، أو يكون سبق تكذيبهم إياه مقالته هذه ، فيكون الغرض من هذه الجملة لازم الخبر وهو أن تكذيبهم إياه ليس بعجيب فلا يضيره ولا يحسبوا أنهم يضيرونه به ويتشفون منه فإن ذلك قد انتاب الرسل قبله من أممهم ، ولذلك أجمع القراء على قراءة فعل { تكذّبوا } بتاء الخطاب ولم يختلفوا فيه اختلافهم في قراءة قوله { أو لم يروا كيف يُبدىء الله الخلق } [ العنكبوت : 19 ] الخ .

ويجوز أن تكون الجملة معترضة والواو اعتراضية واعترض هذا الكلام بين كلام إبراهيم وجواب قومه ، فهو كلام موجه من جانب الله تعالى إلى المشركين التفت به من الغيبة إلى الخطاب تسجيلاً عليهم ، والمقصود منه بيان فائدة سوق قصة نوح وإبراهيم وأن للرسول صلى الله عليه وسلم إسوة برسل الأمم الذين قبله وخاصة إبراهيم جدّ العرب المقصودين بالخطاب على هذا الوجه .

وجملة { وما على الرسول إلا البلاغ المبين } إعلام للمخاطبين بأن تكذيبهم لا يلحقه منه ما فيه تشف منه ؛ فإن كان من كلام إبراهيم فالمراد بالرسول إبراهيم سلك مسلك الإظهار في مقام الإضمار لإيذان عنوان الرسول بأن واجبه إبلاغ ما أرسل به بيّناً واضحاً ، وإن كان من خطاب الله مشركي قريش فالمراد بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم وقد غلب عليه هذا الوصف في القرآن مع الإيذان بأن عنوان الرسالة لا يقتضي إلا التبليغ الواضح .