اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدۡ كَذَّبَ أُمَمٞ مِّن قَبۡلِكُمۡۖ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ} (18)

قوله : { وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِن قَبْلِكُمْ } في المخاطب بهذه الآية وجهان :

الأول : أنه قوم إبراهيم ؛ لأن القصة لإبراهيم ، فكأن إبراهيم قال لقومه : إن تكذبوا فقد كَذَّب أُمَمٌ من قبلكم وأنا أتيت بما عليّ من التبليغ ، فإن الرسول ليس عليه إلا البلاغ والبيان . فإن قيل : إن إبراهيم لم يسبقه إلا قومُ نوح ، وهم أمة واحدة .

فالجواب : إن قبل نوح أيضاً كان أقوام كقوم «إدْرِيسَ » ، وقوم «شِيتَ » ، وآدَمَ ، وأيضاً فإن نوحاً عاش أكثر من ألف سنة ، وكان القرن يموت ، ويحيا أولاده ، والآباء يوصون الأبناء بالامتناع عن الأتْبَاعِ ، فكفى بقوم نوحٍ أمماً .

الثاني : أن الآية خطاب مع قوم محمد - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن هذه القصص أكثرُها المقصودُ معه تذكير قومه بحال من مضى حتى يمتنعوا عن التكذيب ، ويرتدعوا خوفاً من التعذيب ، فقال في أثناء حكاياتهم : يا قوم إن تكذبوا فقد كذب قبلكم أقوام هلكوا ، فإن كذبتم فإني أخاف عليكم أن يقع بكم ما وقع بغيركم{[41194]} .

وهذه الآية تدل على أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة لأن الرسول إذا بلغ شيئاً ولم يبينه فلم يأت بالبلاغ المبين .


[41194]:انظر: تفسير الفخر الرازي 25/44.