فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدۡ كَذَّبَ أُمَمٞ مِّن قَبۡلِكُمۡۖ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ} (18)

{ وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم } أي وإن تكذبوني فقد وقع ذلك لغيري ممن قبلكم وهو من قول إبراهيم ، وقيل : هو من قول الله سبحانه ، أي وإن تكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم فذلك عادة الكفار مع من سلف من كقوم شيت وإدريس ونوح وغيرهم ، وقيل : هذا اعتراض متصل إلى قوله عذاب أليم ، وقع تذكيرا لأهل مكة ، وتحذيرا لهم .

{ وما على الرسول إلا البلاغ المبين } لقومه الذين أرسل إليهم وليس عليه هدايتهم ، وليس ذلك في وسعه ، ولما بيّن الله تعالى الأصل الأول ، وهو التوحيد وأشار إلى الثاني وهو الرسالة بقوله : ما على الرسول الخ شرع في بيان الأصل الثالث وهو الحشر ، وهذه الأصول الثلاثة لا ينفك بعضها عن بعض في الذكر الإلهي فقال :

{ أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ( 19 ) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 20 ) يُعَذِّبُُ مَن يَشَاء وَيَرْحَمُ مَن يَشَاء وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ( 21 ) وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاء وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ( 22 ) }

{ أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده ؟ } قرئ بالتحتية على الخبر قال أبو عبيدة : كأنه قال أو لم ير الأمم ، وقرئ بالفوقية على الخطاب من إبراهيم لقومه ، وقيل هو خطاب من الله لقريش ، وقرئ يبدي من أبدى يبدي ومن بدأ يبدئ ، وقرئ ( كيف بدأ ) والمعنى : ألم يروا كيف يخلقهم الله ابتداء نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ثم ينفخ فيهم الروح ، ثم يخرجهم إلى الدنيا ثم يتوفاهم بعد ذلك . ثم هو يعيدهم كما بدأهم ، كذلك سائر الحيوانات وسائر النباتات .

فإذا رأيتم قدرة الله سبحانه على الابتداء والإيجاد فهو قادر على الإعادة والهمزة لإنكار عدم رؤيتهم ، والواو للعطف ، على مقدر ، والمراد بالرؤية العلم الواضح الذي هو كالرؤية ، والعاقل يعلم أن البدء من الله لأن الخلق الأول لا يكون من مخلوق ، وإلا لما كان الخلق الأول خلقا أول فهو من الله .

{ إن ذلك } أي الخلق الأول والثاني { على الله يسير } لأنه إذا أراد أمرا قال له كن فيكون ، فكيف ينكرون الثاني ، ثم أمر سبحانه إبراهيم أن يأمر قومه بالمسير في الأرض ليتفكروا ويعتبروا فقال :