تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ سُلَّمٞ يَسۡتَمِعُونَ فِيهِۖ فَلۡيَأۡتِ مُسۡتَمِعُهُم بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٍ} (38)

وقوله : { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ } أي : مرقاة إلى الملأ الأعلى ، { فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } أي : فليأت الذي يستمع لهم بحجة ظاهرة . على صحة ما هم فيه من الفعال والمقال ، أي : وليس لهم سبيل إلى ذلك ، فليسوا على شيء ، ولا لهم دليل .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ سُلَّمٞ يَسۡتَمِعُونَ فِيهِۖ فَلۡيَأۡتِ مُسۡتَمِعُهُم بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٍ} (38)

{ أم لهم سلم } مرتقى إلى السماء . { يستمعون فيه } صاعدين فيه إلى كلام الملائكة وما يوحي إليهم من علم الغيب حتى يعلموا ما هو كائن . { فليأت مستمعهم بسلطان مبين } بحجة واضحة تصدق استماعه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ سُلَّمٞ يَسۡتَمِعُونَ فِيهِۖ فَلۡيَأۡتِ مُسۡتَمِعُهُم بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٍ} (38)

لما نفى أن يكون لهم تصرف قوي أو ضعيف في مواهب الله تعالى على عباده أعقبه بنفي أن يكون لهم إطلاع على ما قدره الله لعباده إطلاعاً يخوّلهم إنكار أن يرسل الله بشراً أو يوحي إليه وذلك لإِبطال قولهم : { تقوله } [ الطور : 33 ] . ومثل ذلك قولهم : { نتربص به ريب المنون } [ الطور : 30 ] المقتضي أنهم واثقون بأنهم يشهدون هلاكه . وحذف مفعول { يستمعون } ليعم كلاماً من شأنه أن يسمع من الأخبار المغيبة بالمستقبل وغيره الواقع وغيره .

وسلك في نفي علمهم بالغيب طريق التهكم بهم بإنكار أن يكون لهم سُلَّم يرتقون به إلى السماء ليستمعوا ما يجري في العالم العلوي من أمر تتلقاه الملائكة أو أهل الملأ الأعلى بعضهم مع بعض فيسترقوا بعض العلم مما هو محجوب عن الناس إذ من المعلوم أنه لا سُلّم يصل أهل الأرض بالسماء وهم يعلمون ذلك ويعلمه كل أحد .

وعُلم من اسم السُّلَّم أنه آلة الصعود ، وعلم من ذكر السماوات في الآية قبلها أن المراد سلم يصعدون به إلى السماء ، فلذلك وصف ب { يستمعون فيه } أي يرتقون به إلى السماء فيستمعون وهم فيه ، أي في درجاته الكلامَ الذي يجري في السماء . و { فيه } ظرف مستقر حال من ضمير { يستمعون } ، أي وهم كائنون فيه لا يفارقونه إذ لا يفرض أنهم ينزلون منه إلى ساحات السماء .

وإسناد الاستماع إلى ضمير جماعتهم على اعتبار أن المستمع سفير عنهم على عادة استعمال الكلام العربي من إسناد فعل بعض القبيلة إلى جميعها إذا لم تصده عن عمله في قولهم : قتلت بنو أسد حُجْراً ، ألا ترى أنه قال بعد هذا { فليأت مستمعهم } ، أي من استمع منهم لأجلهم ، أي أرسلوه للسمع . ومثل هذا الإِسناد شائع في القرآن وتقدم عند قوله تعالى : { وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب } وما بعده من الآيات في سورة البقرة ( 49 ) .

و ( في ) للظرفية وهي ظرفية مجازية اشتهرت حتى ساوت الحقيقة لأن الراقي في السُّلَّم يكون كله عليه ، فالسلم له كالظرف للمظروف ، وإذ كان في الحقيقة استعلاء ثم شاع في الكلام فقالوا : صعد في السلم ، ولم يقولوا : صعد على السلم ولذلك اعتبرت ظرفية حقيقية ، أي حقيقة عرفية بخلاف الظرفية في قوله تعالى : { ولأصلبنكم في جذوع النخل } [ طه : 71 ] لأنه لم يشتهر أن يقال : صلبه في جذع ، بل يقال : صلبه على جذع ، فلذلك كانت استعارة ، فلا منافاة بين قول من زعم أن الظرفية مجازية وقول من زعمها حقيقة .

والفاء في { فليأت مستمعهم بسلطان مبين } لتفريع هذا الأمر التعجيزي على النفي المستفاد من استفهام الإِنكار . فالمعنى : فما يأتي مستمع منهم بحجة تدل على صدق دعواهم . فلام الأمر مستعمل في إرادة التعجيز بقرينة انتفاء أصل الاستماع بطريق استفهام الإنكار .

والسلطان : الحجة ، أي حجة على صدقهم في نفي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو في كونه على وشك الهلاك .

والمراد بالسلطان ما يدل على إطلاعهم على الغيب من أمارات كأنْ يقولوا : آية صدقنا فيما ندعيه وسمعناه من حديث الملأ الأعلى ، أننا سمعنا أنه يقع غداً حادثُ كذا وكذا مثلاً ، مما لا قبل للناس بعلمه ، فيقع كما قالوا ويتوسم منه صدقهم فيما عداه . وهذا معنى وصف السلطان بالمبين ، أي المظهر لصحة الدعوى .

وهذا تحدَ لهم بكذبهم فلذلك اكتفى بأن يأتي بعضهم بحجة دون تكليف جميعهم بذلك على نحو قوله : { فأتوا بسورة من مثله } [ البقرة : 23 ] أي فليأت من يتعهد منهم بالاستماع بحجة . وهذا بمنزلة التذييل للكلام على نحو ما تقدم في قوله : { قل تربصوا فإنى معكم من المتربصين } [ الطور : 31 ] وقوله : { فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين } [ الطور : 34 ]

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ سُلَّمٞ يَسۡتَمِعُونَ فِيهِۖ فَلۡيَأۡتِ مُسۡتَمِعُهُم بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٍ} (38)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{أم لهم سلم يستمعون فيه} يعني ألَهُم سلم إلى السماء يصعدون فيه، يعني عليه، مثل قوله: {لأصلبنكم في جذوع النخل} يعني على جذوع النخل، فيستمعون الوحي من الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم {فليأت مستمعهم} يعني صاحبهم الذي يستمع الوحي {بسلطان مبين} يعني بحجة بينة بأنه يقدر على أن يسمع الوحي من الله تعالى...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"أَمْ لَهُمْ سُلّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ "يقول: أم لهم سلم يرتقون فيه إلى السماء يستمعون عليه الوحي، فيدّعون أنهم سمعوا هنالك من الله أن الذي هم عليه حقّ، فهم بذلك متمسكون بما هم عليه.

وقوله: "فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ" يقول: فإن كانوا يدّعون ذلك فليأت من يزعم أنه استمع ذلك، فسمعه بسلطان مبين، يعني بحجة تبين أنها حقّ، كما أتى محمد صلى الله عليه وسلم بها على حقيقة قوله، وصدقه فيما جاءهم به من عند الله. والسّلّم في كلام العرب: السبب والمرقاة...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{أم لهم سُلّمٌ يستمعون فيه} هذا يخرّج على وجهين:

أحدهما: أم لهم سبب وقوة، فيصعدوا السماء، فيستمعوا من أخبارها، فيعلموا بذلك أن محمدا صلى الله عليه وسلم تقوّل على الله تعالى؟

والثاني: {أم لهم سُلّم}؟ أي لهم حجّة وبرهان {يستمعون فيه} أن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكروا؛ فإن قالوا: نعم لنا ذلك، فيقال لهم عند ذلك: {فليأت مُستمِعهم بسلطان مبين} أي بحُجّة بيّنة، أي ليس لهم ذلك، والله أعلم...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ} منصوب إلى السماء يستمعون صاعدين فيه إلى كلام الملائكة وما يوحى إليهم من علم الغيب حتى يعلموا ما هو كائن من تقدم هلاكه على هلاكهم وظفرهم في العاقبة دونه كما يزعمون.

{بسلطان مُّبِينٍ} بحجة واضحة تصدق استماع مستمعهم.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

...

...

...

...

...

...

....

....

المسألة الثالثة: لم ترك ذكر مفعول {يستمعون} وماذا هو؟ نقول فيه وجوه:

(أحدها) المستمع هو الوحي، أي هل لهم سلم يستمعون فيه الوحي.

(ثانيها) يستمعون ما يقولون من أنه شاعر، وأن لله شريكا، وأن الحشر لا يكون. (ثالثها) ترك المفعول رأسا، كأنه يقول: هل لهم قوة الاستماع من السماء حتى يعلموا أنه ليس برسول، وكلامه ليس بمرسل.

...

...

...

...

...

....

....

المسألة الخامسة: قوله {بسلطان مبين} ما المراد به؟ نقول هو إشارة إلى لطيفة، وهي أنه لو طلب منهم ما سمعوه، وقيل لهم {فليأت مستمعهم} بما سمع لكان لواحد أن يقول: أنا سمعت كذا وكذا فيفتري كذبا، فقال لا بل الواجب أن يأتي بدليل يدل عليه.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

لما نفى أن يكون لهم تصرف قوي أو ضعيف في مواهب الله تعالى على عباده أعقبه بنفي أن يكون لهم إطلاع على ما قدره الله لعباده إطلاعاً يخوّلهم إنكار أن يرسل الله بشراً أو يوحي إليه وذلك لإِبطال قولهم: {تقوله} [الطور: 33]. ومثل ذلك قولهم: {نتربص به ريب المنون} [الطور: 30] المقتضي أنهم واثقون بأنهم يشهدون هلاكه. وحذف مفعول {يستمعون} ليعم كلاماً من شأنه أن يسمع من الأخبار المغيبة بالمستقبل وغيره الواقع وغيره.

وسلك في نفي علمهم بالغيب طريق التهكم بهم بإنكار أن يكون لهم سُلَّم يرتقون به إلى السماء ليستمعوا ما يجري في العالم العلوي من أمر تتلقاه الملائكة أو أهل الملأ الأعلى بعضهم مع بعض فيسترقوا بعض العلم مما هو محجوب عن الناس إذ من المعلوم أنه لا سُلّم يصل أهل الأرض بالسماء وهم يعلمون ذلك ويعلمه كل أحد.

وعُلم من اسم السُّلَّم أنه آلة الصعود، وعلم من ذكر السماوات في الآية قبلها أن المراد سلم يصعدون به إلى السماء، فلذلك وصف ب {يستمعون فيه} أي يرتقون به إلى السماء فيستمعون وهم فيه، أي في درجاته الكلامَ الذي يجري في السماء. و {فيه} ظرف مستقر حال من ضمير {يستمعون}، أي وهم كائنون فيه لا يفارقونه إذ لا يفرض أنهم ينزلون منه إلى ساحات السماء.

وإسناد الاستماع إلى ضمير جماعتهم على اعتبار أن المستمع سفير عنهم على عادة استعمال الكلام العربي من إسناد فعل بعض القبيلة إلى جميعها إذا لم تصده عن عمله في قولهم: قتلت بنو أسد حُجْراً، ألا ترى أنه قال بعد هذا {فليأت مستمعهم}، أي من استمع منهم لأجلهم، أي أرسلوه للسمع. ومثل هذا الإِسناد شائع في القرآن وتقدم عند قوله تعالى: {وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب} وما بعده من الآيات في سورة البقرة (49).

و (في) للظرفية وهي ظرفية مجازية اشتهرت حتى ساوت الحقيقة لأن الراقي في السُّلَّم يكون كله عليه، فالسلم له كالظرف للمظروف، وإذ كان في الحقيقة استعلاء ثم شاع في الكلام فقالوا: صعد في السلم، ولم يقولوا: صعد على السلم ولذلك اعتبرت ظرفية حقيقية، أي حقيقة عرفية بخلاف الظرفية في قوله تعالى: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} [طه: 71] لأنه لم يشتهر أن يقال: صلبه في جذع، بل يقال: صلبه على جذع، فلذلك كانت استعارة، فلا منافاة بين قول من زعم أن الظرفية مجازية وقول من زعمها حقيقة.

والفاء في {فليأت مستمعهم بسلطان مبين} لتفريع هذا الأمر التعجيزي على النفي المستفاد من استفهام الإِنكار. فالمعنى: فما يأتي مستمع منهم بحجة تدل على صدق دعواهم. فلام الأمر مستعمل في إرادة التعجيز بقرينة انتفاء أصل الاستماع بطريق استفهام الإنكار.

والسلطان: الحجة، أي حجة على صدقهم في نفي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو في كونه على وشك الهلاك.

والمراد بالسلطان ما يدل على إطلاعهم على الغيب من أمارات كأنْ يقولوا: آية صدقنا فيما ندعيه وسمعناه من حديث الملأ الأعلى، أننا سمعنا أنه يقع غداً حادثُ كذا وكذا مثلاً، مما لا قبل للناس بعلمه، فيقع كما قالوا ويتوسم منه صدقهم فيما عداه. وهذا معنى وصف السلطان بالمبين، أي المظهر لصحة الدعوى.

وهذا تحدَ لهم بكذبهم فلذلك اكتفى بأن يأتي بعضهم بحجة دون تكليف جميعهم بذلك على نحو قوله: {فأتوا بسورة من مثله} [البقرة: 23] أي فليأت من يتعهد منهم بالاستماع بحجة. وهذا بمنزلة التذييل للكلام على نحو ما تقدم في قوله: {قل تربصوا فإني معكم من المتربصين} [الطور: 31] وقوله: {فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين} [الطور: 34]