مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَمۡ لَهُمۡ سُلَّمٞ يَسۡتَمِعُونَ فِيهِۖ فَلۡيَأۡتِ مُسۡتَمِعُهُم بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٍ} (38)

قوله تعالى : { أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين } وهو أيضا تتميم للدليل ، فإن من لا يكون خازنا ولا كاتبا قد يطلع على الأمر بالسماع من الخازن أو الكاتب ، فقال أنتم لستم بخزنة ولا كتبة ولا اجتمعتم بهم ، لأنهم ملائكة ولا صعود لكم إليهم ، وفيه مسائل :

المسألة الأولى : المقصود نفي الصعود ، ولا يلزم من نفي السلم لهم نفي الصعود ، فما الجواب عنه ؟ نقول النفي أبلغ من نفي الصعود ، وهو نفي الاستماع وآخر الآية شامل للكل ، قال تعالى : { فليأت مستمعهم بسلطان مبين } .

المسألة الثانية : السلم لا يستمع فيه ، وإنما يستمع عليه ، فما الجواب ؟ نقول من وجهين : ( أحدهما ) ما ذكره الزمخشري أن المراد { يستمعون } صاعدين فيه ( وثانيهما ) ما ذكره الواحدي أن في بمعنى على ، كما في قوله تعالى : { ولأصلبنكم في جذوع النخل } أي جذوع النخل ، وكلاهما ضعيف لما فيه من الإضمار والتغيير .

المسألة الثالثة : لم ترك ذكر مفعول { يستمعون } وماذا هو ؟ نقول فيه وجوه : ( أحدها ) المستمع هو الوحي ، أي هل لهم سلم يستمعون فيه الوحي ( ثانيها ) يستمعون ما يقولون من أنه شاعر ، وأن لله شريكا ، وأن الحشر لا يكون ( ثالثها ) ترك المفعول رأسا ، كأنه يقول : هل لهم قوة الاستماع من السماء حتى يعلموا أنه ليس برسول ، وكلامه ليس بمرسل .

المسألة الرابعة : قال : { فليأت مستمعهم } ولم يقل فليأتوا ، كما قال تعالى : { فليأتوا بحديث مثله } نقول طلب منهم ما يكون أهون على تقدير صدقهم ، ليكون اجتماعهم عليه أدل على بطلان قولهم ، فقال هناك { فليأتوا } أي اجتمعوا عليه وتعاونوا ، وأتوا بمثله ، فإن ذلك عند الاجتماع أهون ، وأما الارتقاء في السلم بالاجتماع ( فإنه ) متعذر لأنه لا يرتقي إلا واحد بعد واحد ، ولا يحصل في الدرجة العليا إلا واحد فقال : { فليأت } ذلك الواحد الذي كان أشد رقيا بما سمعه .

المسألة الخامسة : قوله { بسلطان مبين } ما المراد به ؟ نقول هو إشارة إلى لطيفة ، وهي أنه لو طلب منهم ما سمعوه ، وقيل لهم { فليأت مستمعهم } بما سمع لكان لواحد أن يقول : أنا سمعت كذا وكذا فيفتري كذبا ، فقال لا بل الواجب أن يأتي بدليل يدل عليه .