اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَمۡ لَهُمۡ سُلَّمٞ يَسۡتَمِعُونَ فِيهِۖ فَلۡيَأۡتِ مُسۡتَمِعُهُم بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٍ} (38)

قوله : { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ } أي مِرْقَاةٌ ومِصْعَد إلى السماء «يَسْتَمِعُونَ فِيهِ » . وهذا أيضاً تتميم الدليل ، فإن مَنْ لا يكون خازناً ولا كاتباً قد يطلع على الأمر بالسماع من الخازن أو الكاتب فقال : أنتم لستم بخزنة ولا كَتَبَةٍ ولا اجتمعتم بهم ، لأنهم ملائكة ولا صعود لكم .

قوله : «يَسْتَمِعُونَ فِيهِ » صفة «لسُلَّمٍ » و«فِيهِ » على بابه من الظرفية . وقيل : هي بمعنى «عَلَى » . قاله الواحدي{[53273]} ، كقوله تعالى : { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل } [ طه : 71 ] . ولا حاجة إلَيْهِ{[53274]} .

وقدَّره الزمخشري متعلقاً بحال محذوفة تقديرها : صَاعِدِينَ فيه . ومفعول «يَسْتَمِعُونَ » محذوف فقدره الزمخشري يستمعون ما يوحى إلى الملائكة من عِلْم الغيب{[53275]} . وقدره غيره{[53276]} يستمعون الخبر بصحة ما يدعون من أنه شاعر ، وأنَّ لِلَّهِ شركاءَ .

والظاهر أنه لا يقدر له مفعول بل المعنى يوقعون الاستماع أي هل لهم قوة الاستماع من السماء حتى يعلموا أنه ليس{[53277]} برسول .

قوله : «فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ » إن ادَّعَوْا ذلك «بسلطان مبين » أي حجة وبينة .

فإن قيل كيف قال : «فَلْيَأتِ مُسْتَمِعُهُمْ » ولم يقل : فَلْيَأتُوا كما قال تعالى : { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ } [ الطور : 34 ] ؟

فالجواب : أنه طلب منهم الأهون على تقدير صدقهم ليكون امتناعُه عليهم{[53278]} أدلَّ على بُطْلان قولهم ، وقال هناك : فَلْيَأتوا أي اجتمعوا عليه وتعاونوا وأتوا بمثله ، فإن ذلك عند الاجتماع أهون وأما الارْتِقَاءُ في السلم بالاجتماع فمتعذِّر ، لأنه يرتقي واحدٌ بعد واحد فلا يحصل في الدرجة العليا إلا واحد فقال : فَلْيَأتِ ذَلك الواحد بما سَمِعَهُ . وفيه لطيفة وهي أنه لو طلب منهم ما سمعوه لكان الواحد أن يفتري ويقول : سَمِعْتُ كذا فقال : لاَ بل الواجب أن يأتي بدليل يَدُلُّ عليه{[53279]} .


[53273]:تفسير الفخر الرازي 28/262.
[53274]:لما فيه من التغيير.
[53275]:الكشاف 4/26.
[53276]:هو أبو حيان في البحر 8/152.
[53277]:وهو رأي الإمام الرازي في تفسيره 28/262.
[53278]:كذا في النسختين وفي الرازي: اجتماعهم عليه.
[53279]:وانظر الرازي المرجع السابق.