تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{هَمَّازٖ مَّشَّآءِۭ بِنَمِيمٖ} (11)

وقوله { هَمَّازٍ } قال ابن عباس وقتادة : يعني الاغتياب .

{ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } يعني : الذي يمشي بين الناس ، ويحرش بينهم وينقل الحديث لفساد ذات البين وهي الحالقة ، وقد ثبت في الصحيحين من حديث مجاهد ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال : " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستتر{[29165]} من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة " الحديث . وأخرجه بقية الجماعة في كتبهم ، من طرق عن مجاهد ، به{[29166]} .

وقال أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن هَمّام ؛ أن حُذَيفة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يدخل الجنة قَتَّات " .

رواه الجماعة - إلا ابن ماجة - من طرق ، عن إبراهيم ، به{[29167]} .

وحدثنا عبد الرزاق ، حدثنا الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن همام ، عن حذيفة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يدخل الجنة قتات " يعني : نماما{[29168]} .

وحدثنا يحيى بن سعيد القطان أبو سعيد الأحول ، عن الأعمش ، حدثني إبراهيم - منذ نحو ستين سنة - عن همام بن الحارث قال : مر رجل على حذيفة فقيل : إن هذا يرفع الحديث إلى الأمراء . فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - أو : قال - : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة قتات " {[29169]} .

وقال أحمد : حدثنا هاشم ، حدثنا مهدي ، عن واصل الأحدب ، عن أبي وائل قال : بلغ حذيفة عن رجل أنه ينم الحديث ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة نمام " {[29170]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا مَعْمَر ، عن ابن خُثَيم ، عن شَهْر بن حَوْشَب ، عن أسماء بنت يزيد بن السكن ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أخبركم بخياركم ؟ " . قالوا : بلى يا رسول الله . قال : " الذين إذا رُؤوا ذُكر الله ، عز وجل " . ثم قال : " ألا أخبركم بشراركم ؟ المشاءون بالنميمة ، المفسدون بين الأحبة ، والباغون للبرآء العَنَت " .

ورواه ابن ماجة ، عن سويد بن سعيد ، عن يحيى بن سليم ، عن ابن خُثَيم ، به{[29171]} .

وقال الإمام أحمد حدثنا سفيان ، عن ابن أبي حُسَين ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غَنْم - يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم : " خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله ، وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العنت " {[29172]}


[29165]:- (1) في أ: "لا يستبرئ".
[29166]:- (2) صحيح البخاري برقم (218) وصحيح مسلم برقم (292) وسنن أبي داود برقم (20) وسنن الترمذي برقم (70) وسنن النسائي (1/28) وسنن ابن ماجة برقم (347).
[29167]:- (3) المسند (5/382) وصحيح البخاري برقم (6506) وصحيح مسلم برقم (105) وسنن أبي داود برقم (4871) وسنن الترمذي برقم (2026) وسنن النسائي الكبرى برقم (1164).
[29168]:- (4) المسند (5/389).
[29169]:- (5) المسند (5/389).
[29170]:- (6) المسند (5/391).
[29171]:- (7) المسند (6/459) وسنن ابن ماجة برقم (4119) وقال البوصيري في الزوائد (3/273): "هذا إسناد حسن، شهر وسويد مختلف فيهما، وباقي رجال الإسناد ثقات".
[29172]:- (1) المسند (4/227).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{هَمَّازٖ مَّشَّآءِۭ بِنَمِيمٖ} (11)

هماز عياب مشاء بنميم نقال للحديث على وجه السعاية .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{هَمَّازٖ مَّشَّآءِۭ بِنَمِيمٖ} (11)

الهمّاز كثير الهمزة . وأصل الهمز : الطعن بعود أو يد ، وأطلق على الأذى بالقول في الغيبة على وجه الاستعارة وشاع ذلك حتى صار كالحقيقة وفي التنزيل { ويل لكلّ هُمَزَة } [ الهمزة : 1 ] .

وصيغة المبالغة راجعة إلى قوة الصفة ، فإذا كان أذى شديداً فصاحبه { همّاز } وإذا تكرر الأذى فصاحبه { همّاز } .

المشَاء بالنميم : الذي يَنِمّ بين الناس ، ووصفه بالمشّاء للمبالغة . والقول في هذه المبالغة مثل القول في { هَمَّازهَمَّازٍ مَّشَّآءِ } وهذه رَابعَة المذامّ .

والمشي : استعارة لتشويه حاله بأنه يتجشم المشقة لأجل النميمة مثل ذِكر السعي في قوله تعالى : { ويسعَوْن في الأرض فساداً } [ المائدة : 64 ] ، ذلك أن أسماء الأشياء المحسوسة أشدّ وقعاً في تصوّر السامع من أسماء المعقولات ، فذِكر المشي بالنميمة فيه تصوير لحال النمّام ، ألا ترى أن قولك : قُطِع رأسُه أوقعُ في النفس من قولك : قُتِل ، ويدل لذلك أنه وقع مثله في قول النبي صلى الله عليه وسلم « وأمَّا الآخَرُ فكان يمشي بالنميمة »

والنميم : اسم مرادف للنميمة ، وقيل : النميم جمع نميمة ، أي اسمُ جمع لنميمة إذا أريد بها الواحدة وصيرورتُها اسماً .