تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا} (60)

وقوله : { إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا } ، أي : إلا من رجع عن ترك الصلوات واتباع الشهوات ، فإن الله يقبل توبته ، ويحسن عاقبته ، ويجعله من ورثة جنة النعيم ؛ ولهذا قال : { فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا } وذلك ؛ لأن التوبة تُجُبُّ ما قبلها ، وفي الحديث الآخر : " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " {[18967]} ؛ ولهذا لا يُنْقص هؤلاء التائبون من أعمالهم التي عملوها شيئًا ، ولا قوبلوا بما عملوه قبلها فينقص{[18968]} لهم مما عملوه بعدها ؛ لأن ذلك ذهب هَدَرًا وترك نسيا ، وذهب مَجَّانا ، من كرم الكريم ، وحلم الحليم .

وهذا الاستثناء هاهنا كقوله في سورة الفرقان : { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } [ الفرقان : 68 - 70 ]


[18967]:جاء من حديث أنس بن مالك، وابن مسعود، وأبو سعيد الأنصاري، وابن عباس، رضي الله عنهم، وأجودها حديث ابن مسعود، أخرجه ابن ماجه في السنن برقم (4250) لكنه فيه انقطاع.
[18968]:في ف: "فنقص".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا} (60)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِلاّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلََئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } .

يقول تعالى ذكره : فسوف يلقي هؤلاء الخلف السوء الذين وصف صفتهم غيا ، إلا الذين تابوا فراجعوا أمرا الله ، والإيمان به وبرسوله وعَمِلَ صَالحا يقول : وأطاع الله فيما أمره ونهاه عنه ، وأدّى فرائضه ، واجتنب محارمه فأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنّةَ يقول : فإن أولئك منهم خاصة يدخلون الجنة دون من هلك منهم على كفره ، وإضاعته الصلاة واتباعه الشهوات . وقوله : وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئا يقول : ولا يُبخسون من جزاء أعمالهم شيئا ، ولا يجمع بينهم وبين الذين هلكوا من الخلف السوء منهم قبل توبتهم من ضلالهم ، وقبل إنابتهم إلى طاعة ربهم في جهنم ، ولكنهم يدخلون مدخل أهل الإيمان .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا} (60)

قوله { فأُولَئِكَ يدْخُلونَ الجنّة } جيء في جانبهم باسم الإشارة إشادة بهم وتنبيهاً لهم للترغيب في توبتهم من الكفر . وجيء بالمُضارع الدّال على الحال للإشارة إلى أنهم لا يُمْطَلُون في الجزاء . والجنّة : عَلَم لدار الثواب والنّعيم . وفيها جنّات كثيرة كما ورد في الحديث : « أَو جَنَّةٌ واحدة هي إنّها لجنان كثيرة »

والظلم : هنا بمعنى النقص والإجحاف والمطل . كقوله { كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً } في سورة الكهف ( 33 ) .

وشي : اسم بمعنى ذات أو موجود وليس المراد مصدر الظلم .

وذكر شيئاً في سياق النفي يفيد نفي كل فرد من أفراد النقص والإجحاف والإبطاء ، فيعلم انتفاء النقص القوي بالفحوى دفعاً لما عسى أن يخالج نفوسهم من الانكسار بعد الإيمان يظن أنّ سبق الكفر يَحط من حسن مصيرهم .