اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا} (60)

قوله : { إلاَّ من تَابَ } فيه وجهان :

أظهرهما : أنه استثناء متصل{[21710]} . وقال{[21711]} الزجاج{[21712]} : هو منقطع{[21713]} . وهذا{[21714]} بناء منه على أن المضيع للصلاة من الكفار .

وقرأ عبد الله والحسن{[21715]} والضحاك وجماعة " الصلوات " {[21716]} جمعاً{[21717]} .

وقرأ الحسن هنا وجميع ما في القرآن " يُدْخَلُونَ " مبنيًّا للمفعول{[21718]} .

فصل{[21719]}

" احتجوا {[21720]} " {[21721]} بقوله : { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً }{[21722]} على أن الإيمان غير العمل ، لأنه عطف العمل على الإيمان ، والمعطوف غير{[21723]} المعطوف عليه .

أجاب الكعبي{[21724]} : بأنه تعالى فرق بين التوبة والإيمان ، والتوبة من الإيمان فكذلك العمل الصالح يكون من الإيمان وإن فرق بينهما .

وهذا الجواب ضعيف ، لأن عطف الإيمان على التوبة يقتضي المغايرة بينهما{[21725]} ، لأن التوبة عزم على الترك ، والإيمان إقرار بالله ، وهما متغايران ، فكذلك في هذه الصورة{[21726]} .

ولما بيَّن{[21727]} وعيد من لم يتب بيَّن أن من تاب وآمن وعمل صالحاً فلهم الجنة ولا يلحقهم ظلم .

وهنا{[21728]} سؤالان{[21729]} :

السؤال الأول : الاستثناء دل على أنه لا بُدَّ من التوبة{[21730]} والإيمان والعمل الصالح ، وليس الأمر كذلك ، لأن من تاب عن الكفر ولم يدخل وقت الصلاة أو كانت المرأة حائضاً فإن{[21731]} الصلاة لا تجب عليه ، وكذلك الصوم والزكاة فلو مات{[21732]} في ذلك الوقت كان من أهل النجاة مع أنه لم يصدر عنه عمل ، فلم يجز توقف الأجر{[21733]} على العمل الصالح .

والجواب{[21734]} : أن هذه الصورة نادرة ، والأحكام إنما تناط بالأعم{[21735]} الأغلب .

السؤال الثاني : قوله : { وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } يدل على أن الثواب مستحق بالعمل لا بالتفضّل ، لأنه لو كان بالتفضل ، لاستحال حصول الظلم ، لكن من مذهبكم أنه لا استحقاق للعبد بعمله إلا بالوعد .

وأجيب بأنه لما أشبهه أجري على حكمه{[21736]} .


[21710]:انظر البحر المحيط: 6/201، والاستثناء المتصل: هو ما يكون فيه المستثنى بعض المستثنى منه. شرح التصريح 1/349.
[21711]:في ب: قال.
[21712]:تقدم.
[21713]:معاني القرآن وإعرابه 3/336. أجاز الزجاج الاتصال والانقطاع وعبارته: (وقوله عز وجل: {إلا من تاب وآمن} "من" في موضع نصب، أي فسوف يلقون العذاب إلا التائبين، وجائز أن يكون نصبا استثناء من غير الأول، ويكون المعنى لكن من تاب وآمن). والاستثناء المنقطع: هو ما لا يكون المستثنى بعض المستثنى منه بشرط أن يكون ما قبل (إلا) دالا على ما يستثنى فيجوز ما قام القوم إلا حمارا، ويمتنع قام القوم إلا ثعبانا. شرح التصريح 1/352.
[21714]:في ب: وهو.
[21715]:تقدم.
[21716]:في ب: الصلاة. وهو تحريف.
[21717]:المختصر (85)، الكشاف 2/415، البحر المحيط 6/201.
[21718]:في البحر المحيط قراءة الحسن "يدخلون" مبنيا للفاعل، حيث قال أبو حيان: (وقرأ الحسن "يدخلون" مبنيا للفاعل، وكذا كل ما في القرآن من "يدخلون"). البحر المحيط 6/201، و"يُدخَلون" بالبناء للمفعول قراءة سبعية قرآها ابن كثير وأبو عمرو هنا، وفي النساء : {فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا} الآية (124) وفي فاطر {جنات عدن يدخلونها} الآية (33)، وفي غافر {فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب} الآية (40) وكذلك {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} [غافر: 60]. حجة من قرأ "يدخلون" بالبناء للمفعول: أنهما أضافوا الفعل إلى غيرهم، لأنهم لا يدخلون الجنة حتى يدخلهم الله – جل ذكره – إياها، فهم مفعولون في المعنى، فبنوا الفعل للمفعول على ما لم يسم فاعله، وقد أجمعوا على قوله: {وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [إبراهيم:23]. وحجة من قرأ "يدخلون" بالبناء للفاعل، أضافوا الفعل إلى الداخلين، لأنهم هم الداخلون بأمر الله تعالى لهم، دليله قوله: {ادخلوا الجنة} [الأعراف: 49]. السبعة (237-238)، الحجة لابن خالويه (127)، الكشف 1/397، 398، النشر 2/252.
[21719]:فصل: سقط من ب.
[21720]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 21/236.
[21721]:ما بين القوسين في ب: فإن قيل: احتجوا.
[21722]:وآمن سقط من ب.
[21723]:المعطوف غير: سقط من ب.
[21724]:في ب: فالجواب عنه ذكر الكعبي. والكعبي هو: سليمان بن يزيد بن قنفذ، أبو المثنى الخزاعي، روى عن سالم بن عبد الله بن عمرو، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وغيرهما، وروى عنه داود بن قيس الفراء، وعبد الله بن وهب، وغيرهما، خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 12/221.
[21725]:بينهما: سقط من ب.
[21726]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 21/236.
[21727]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 21/237.
[21728]:في ب: فإن قيل: وههنا.
[21729]:في ب: سؤلان.
[21730]:في ب: دال على أن التوبة لا بد منها.
[21731]:إن: سقط من ب.
[21732]:في النسختين: تاب. والصواب ما أثبته.
[21733]:في الأصل: الأمر.
[21734]:في ب: فالجواب.
[21735]:في ب: بالأهم، وهو تحريف.
[21736]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 21/237.