الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا} (60)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فسوف يلقى هؤلاء الخلف السوء الذين وصف صفتهم غيا، إلا الذين تابوا فراجعوا أمرا الله، والإيمان به وبرسوله، "وعَمِلَ صَالحا "يقول: وأطاع الله فيما أمره ونهاه عنه، وأدّى فرائضه، واجتنب محارمه "فأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنّةَ" يقول: فإن أولئك منهم خاصة يدخلون الجنة دون من هلك منهم على كفره، وإضاعته الصلاة واتباعه الشهوات.

"وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئا" يقول: ولا يُبخسون من جزاء أعمالهم شيئا، ولا يجمع بينهم وبين الذين هلكوا من الخلف السوء منهم قبل توبتهم من ضلالهم، وقبل إنابتهم إلى طاعة ربهم في جهنم، ولكنهم يدخلون مدخل أهل الإيمان...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ثم استثنى، فقال: {إلا من تاب} عن الشر و {آمن} بالله {وعمل صالحا}. وقوله تعالى: {فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلون شيئا} يشبه أن يكون قوله: {ولا يظلمون شيئا} أي لا ينقصون من حسناتهم التي عملوها في حال إيمانهم لمكان ما عملوا من الأعمال في حال كفرهم، بل يبدل سيئاتهم حسنات على ما أخبر الله تعالى: {يبدل الله سيئاتهم حسنات} [الفرقان: 70] وقال في آية [أخرى]: {إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: 38]، أخبر أنهم إذا آمنوا، وانتهوا عن الشرك، لا يؤاخذهم بما كان منهم في حال كفرهم، والله أعلم.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

" ولا يظلمون شيئا "معناه لا يبخسون شيئا من ثوابهم بل يوفر عليهم على التمام والوفاء.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

فأولئك الذين تداركتهْم الرحمةُ الأزليةُ، وسيبقون في النعم السرمدية. يستنجز الحقُّ لهم عِدَاتِهِم، ويُوَصِّلُهم إلى درجاتهم، ويُحَقِّق لهم ما وعدهم...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

... أي لا ينقصون شيئاً من جزاء أعمالهم ولا يمنعونه، بل يضاعف لهم، بياناً لأن تقدّم الكفر لا يضرهم إذا تابوا من ذلك... أو لا يظلمون البتة، أي شيئاً من الظلم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما أخبر تعالى عنهم بالخيبة، فتح لهم باب التوبة، وهداهم إلى غسل هذه الحوبة، بقوله: {إلا من تاب} أي مما هو عليه من الضلال، بإيثار سفساف الأعمال، على أوصاف الكمال، فحافظ على الصلاة، وكف نفسه عن الشهوات {وءامن} بما أخذ عليه به العهد {وعمل} بعد إيمانه تصديقاً له {صالحاً} من الصلوات والزكاة وغيرها، ولم يؤكدهما لما أفهمته التوبة من إظهار عمل الصلاة التي هي أم العبادات {فأولئك} العالو الهمم، الطاهرو الشيم {يدخلون الجنة} التي وعد المتقون {ولا يظلمون} من ظالم ما {شيئاً} من أعمالهم...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يفتح باب التوبة على مصراعيه تنسم منه نسمات الرحمة واللطف والنعمى: فالتوبة التي تنشى ء الإيمان والعمل الصالح، فتحقق مدلولها الإيجابي الواضح.. تنجي من ذلك المصير فلا يلقى أصحابها (غيا) إنما يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{فأُولَئِكَ يدْخُلونَ الجنّة} جيء في جانبهم باسم الإشارة إشادة بهم وتنبيهاً لهم للترغيب في توبتهم من الكفر. وجيء بالمُضارع الدّال على الحال للإشارة إلى أنهم لا يُمْطَلُون في الجزاء. والجنّة: عَلَم لدار الثواب والنّعيم. وفيها جنّات كثيرة كما ورد في الحديث: « أَو جَنَّةٌ واحدة هي إنّها لجنان كثيرة» والظلم: هنا بمعنى النقص والإجحاف والمطل. كقوله {كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً} في سورة الكهف (33). وشي: اسم بمعنى ذات أو موجود وليس المراد مصدر الظلم. وذكر شيئاً في سياق النفي يفيد نفي كل فرد من أفراد النقص والإجحاف والإبطاء، فيعلم انتفاء النقص القوي بالفحوى دفعاً لما عسى أن يخالج نفوسهم من الانكسار بعد الإيمان يظن أنّ سبق الكفر يَحط من حسن مصيرهم...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

الاستثناء هنا منقطع، وليس استثناء متصلا، ف {من تاب وآمن} لا يدخل في عموم من اتبعوا الشهوات وأضاعوا الصلاة، ف {إلا} بمعنى (لكن)، وهي مقابلة بين المؤمن وغيره، فالأول يتبع الشهوات، والثاني مؤمن تواب إلى ربه راجع إليه طالب، وقوله تعالى: {إلا من تاب} يشمل من غوي منهم الأهواء والشهوات ورجع إلى ربه، ومن لم يسيطر عليه هواه ابتداء واتبع سبيل الحق، ويكون التعبير عنه ب {تاب} إشارة إلى الإذعان الكامل، لأن المؤمن التواب وصل إلى أعلى درجات الإيمان، لأنه يستصغر أفعاله أمام الله ويحسب نفسه مقصرا فلا يدل بالطاعة، بل يستشعر الخشية الدائمة ويغلب عليه الخوف ولا يغلب عليه رجاء الثواب، لأنه يستنكر خطأه، ويستقل طاعته. {فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا}، الإشارة إلى التائبين الراجعين إلى الله تعالى، والإشارة إلى الموصوفين بأوصاف تدل على أنه هذه الأوصاف سبب الحكم، وهو أنهم {يدخلون الجنة} التي هي جزاء المتقين، {ولا يظلمون شيئا}، أي لا ينقصون أي شيء من النقص، بل يأخذون جزاءهم جزاء وفاقا لما عملوا من طيبات، ولتجردهم من شهوات الدنيا وخلاصهم من أهوائها المردية.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

استثناء من الوعيد الشديد الموجه إلى تاركي الصلاة، ومقتضاه أن من تاب إلى الله ورجع عن ترك الصلاة فأقبل على إقامتها وحافظ على أدائها، وتراجع عن الاستغراق في الشهوات فلم يبق أسيرا من أسرائها، وانصرف إلى الأعمال الصالحة بمختلف أصنافها، فإن الله يقبل توبته، ويحسن عاقبته، ويمن عليه بأعظم منة، فيجعله من ورثة الجنة، وفي الحديث الشريف "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"، وقوله تعالى: {ولا يظلمون شيئاً} يقتضي أنهم لا يحاسبون على ما عملوه قبل التوبة، لأن التوبة إذا استوفت شروطها تجب ما قبلها...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

معنى: وآمن بعد أن تاب، تعني أن ما أحدثه من معصية خدش إيمانه، فيحتاج إلى تجديده. وهذا واضح في الحديث الشريف:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن". فساعة مباشرة هذه المعاصي تنتفي عن الإنسان صفة الإيمان؛ لأن إيمانه غاب في هذه اللحظة؛ لأنه لو استحضر الإيمان وما يلزمه من عقوبات الدنيا والآخرة ما وقع في هذه المعاصي. لذلك قال: (وآمن) أي: جدد إيمانه، وأعاده بعد توبته، ثم {وعمل صالحاً}: ليصلح به ما أفسده بفعل المعاصي. والنتيجة: {فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً} فلماذا كل هذا الكرم من الله تعالى لأهل المعاصي الذين تابوا؟ قالوا: لأن الذي ألف الشهوة واعتاد المعصية، وأدرك لذته فيها يحتاج إلى مجهود كبير في مجاهدة نفسه وكبحها، على خلاف من لم يتعود عليها، لذلك احتاج العاصون إلى حافز يدفعهم ليعودوا إلى ساحة ربهم. لذلك قال سبحانه: {فأولئك يدخلون الجنة} دون أن يعيروا بما فعلوه؛ لأنهم صدقوا التوبة إلى الله {ولا يظلمون شيئاً} وبقدر ما تكون التوبة صادقة، والندم عليها عظيماً، وبقدر ما تلوم نفسك، وتسكب الدمع على معصيتك بقدر ما يكون لك من الأجر والثواب، وبقدر ما تبدل سيئاتك حسناتٍ. وكل هذا بفضل الله وبرحمته.