تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَفِي ٱلۡأَرۡضِ ءَايَٰتٞ لِّلۡمُوقِنِينَ} (20)

وقوله : { وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ } أي : فيها من الآيات الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة ، مما قد ذرأ فيها من صنوف النبات والحيوانات ، والمهاد والجبال ، والقفار والأنهار والبحار ، واختلاف ألسنة الناس وألوانهم ، وما جبلوا عليه من الإرادات والقوى ، وما بينهم من التفاوت في العقول والفهوم والحركات ، والسعادة والشقاوة ، وما في تركيبهم من الحكم في وضع كل عضو من أعضائهم{[27430]} في المحل الذي هو محتاج إليه فيه ؛ ولهذا قال : { وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ }


[27430]:- (5) في م، أ: "أجسادهم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَفِي ٱلۡأَرۡضِ ءَايَٰتٞ لِّلۡمُوقِنِينَ} (20)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لّلْمُوقِنِينَ * وَفِيَ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ * وَفِي السّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وفي الأرض عِبر وعظات لأهل اليقين بحقيقة ما عاينوا ورأوا إذا ساروا فيها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وفي الأرْضِ آياتٌ للْمُوقِنِينَ قال : يقول : معتبر لمن اعتبر .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وفي الأرْضِ آياتٌ للْمُوقِنِينَ إذا سار في أرض الله رأى عِبرا وآيات عظاما .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَفِي ٱلۡأَرۡضِ ءَايَٰتٞ لِّلۡمُوقِنِينَ} (20)

هذا متصل بالقَسَم وجوابه من قوله : { والذاريات } [ الذاريات : 1 ] وقوله : { وإن الدين لواقع } إلى قوله : { والسماء ذات الحبك } [ الذاريات : 6 ، 7 ] فبعد أن حقق وقوع البعث بتأكيده بالقسم انتقل إلى تقريبه بالدليل لإبطال إحالتهم إياه ، فيكون هذا الاستدلال كقوله : { ومن آياته أنك تَرى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربَتْ إن الذي أحياها لمُحيي الموتى } [ فصلت : 39 ] . وما بين هاتين الجملتين اعتراض ، فجملة { وفي الأرض آيات للموقنين } يجوز أن تكون معطوفة على جملة جواب القسم وهي { إن ما تُوعدون لصادق } [ الذاريات : 5 ] . والمعنى : وفي ما يشاهد من أحوال الأرض آيات للموقنين وهي الأحوال الدالة على إيجاد موجودات بعد إعدام أمثالها وأصولها مثل إنبات الزرع الجديد بعد أن بَاد الذي قبله وصار هشيماً . وهذه دلائل واضحة متكررة لا تحتاج إلى غوص الفكر فلذلك لم تقرن هذه الآيات بما يدعو إلى التفكر كما قرن قوله : { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } [ الذاريات : 21 ] .

واعلم أن الآيات المرموقة من أحوال الأرض صالحة للدلالة أيضاً على تفرده تعالى بالإلهية في كيفية خلقها ودحْوها للحيوان والإنسان ، وكيف قسمت إلى سهل وجبال وبحر ، ونظام إنباتها الزرع والشجر ، وما يخرج من ذلك من منافع للناس ، ولهذا حذف تقييد آيات بمتعلِّق ليعمّ كل ما تصلح الآيات التي في الأرض أن تدل عليه . وتقديم الخبر في قوله : { وفي الأرض } للاهتمام والتشويق إلى ذكر المبتدأ .

واللام في { للموقنين } معلق ب { آيات } . وخصت الآيات ب { الموقنين } لأنهم الذين انتفعوا بدلالتها فأكسبتهم الإيقان بوقوع البعث . وأوثر وصف الموقنين هنا دون الذين أيقنوا لإفادة أنهم عرفوا بالإيقان . وهذا الوصف يقتضي مدحهم بثقوب الفهم لأن الإيقان لا يكون إلا عن دليل ودلائل هذا الأمر نظرية . ومَدْحَهم أيضاً بالإنصاف وترك المكابرة لأن أكثر المنكرين للحق تحملهم المكابرة أو الحسد على إنكار حق من يتوجّسون منه أن يقضي على منافعهم . وتقديم { في الأرض } على المبتدأ للاهتمام بالأرض باعتبارها آيات كثيرة .