مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَفِي ٱلۡأَرۡضِ ءَايَٰتٞ لِّلۡمُوقِنِينَ} (20)

قوله تعالى : { وفي الأرض آيات للموقنين }وهو يحتمل وجهين : ( أحدهما ) أن يكون متعلقا بقوله : { إنما توعدون لصادق * وإن الدين لواقع * وفي الأرض ءايات للموقنين } تدلهم على أن الحشر كائن كما قال تعالى : { ومن ءاياته أنك ترى الأرض خاشعة } إلى أن قال : { إن الذي أحياها لمحيي الموتى } ، ( وثانيهما ) أن يكون متعلقا بأفعال المتقين ، فإنهم خافوا الله فعظموه فأظهروا الشفقة على عباده ، وكان لهم آيات في الأرض ، وفي أنفسهم على إصابتهم الحق في ذلك ، فإن من يكون له في الأرض الآيات العجيبة يكون له القدرة التامة فيخشى ويتقى ، ومن له من أنفس الناس حكم بالغة ونعم سابغة يستحق أن يعبد ويترك الهجوع لعبادته ، وإذا قابل العبد العبادة بالنعمة يجدها دون حد الشكر فيستغفر على التقصير ، وإذا علم أن الرزق من السماء لا يبخل بماله ، فالآيات الثلاثة المتأخرة فيها تقرير ما تقدم ، وعلى هذا فقوله تعالى : { فورب السماء والأرض } يكون عود الكلام بعد اعتراض الكلام الأول أقوى وأظهر ، وفيه مسائل :

المسألة الأولى : كيف خصص الموقنين بكون الآيات لهم مع أن الآيات حاصلة للكل قال تعالى : { وءاية لهم الأرض الميتة أحييناها } ؟ نقول قد ذكرنا أن اليمين آخر ما يأتي به المبرهن وذلك لأنه أولا يأتي بالبرهان ، فإن صدق فذلك وإن لم يصدق لا بد له من أن ينسبه الخصم إلى إصرار على الباطل لأنه إذا لم يقدر على قدح فيه ولم يصدقه يعترف له بقوة الجدل وينسبه إلى المكابرة فيتعين طريقه في اليمين ، فإذا آيات الأرض لم تفدهم لأن اليمين بقوله : { والذاريات ذروا } دلت على سبق إقامة البينات وذكر الآيات ولم يفد فقال فيها : { وفي الأرض ءايات للموقنين } وإن لم يحصل للمصر المعاند منها فائدة ، وأما في سورة يس وغيرها من المواضع التي جعل فيها آيات الأرض للعامة لم يحصل فيها اليمين وذكر الآيات قبله فجاز أن يقال إن الأرض آيات لمن ينظر فيها . ( الجواب الثاني ) وهو الأصح أن هنا الآيات بالفعل والاعتبار للمؤمنين أي حصل ذلك لهم وحيث قال لكل معناه إن فيها آيات لهم إن نظروا وتأملوا .

المسألة الثانية : هاهنا قال : { وفي الأرض ءايات } وقال هناك : { وءاية لهم الأرض } نقول لما جعل الآية { للموقنين } ذكر بلفظ الجمع لأن الموقن لا يغفل عن الله تعالى في حال ويرى في كل شيء آيات دالة ، وأما الغافل فلا يتنبه إلا بأمور كثيرة فيكون الكل له كالآية الواحدة .