تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (62)

ثم قال : { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلا هُوَ } أي : الذي فعل هذه الأشياء هو الله الواحد الأحد ، خالق الأشياء ، الذي لا إله غيره ، ولا رب سواه ، { فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } أي : فكيف تعبدون غيره من الأصنام ، التي لا تخلق شيئا ، بل هي مخلوقة منحوتة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (62)

القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمْ خَالِقُ كُلّ شَيْءٍ لاّ إِلََهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّىَ تُؤْفَكُونَ * كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ } .

يقول تعالى ذكره : الذي فعل هذه الأفعال ، وأنعم عليكم هذه النعم أيها الناس ، الله مالككم ومصلح أموركم ، وهو خالقكم وخالق كلّ شيء لا إلَهَ إلاّ هُوَ يقول : لا معبود تصلح له العبادة غيره ، فَأَنّى تُوءْفَكُونَ يقول : فأيّ وجه تأخذون ، وإلى أين تذهبون عنه ، فتعبدون سواه ؟ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (62)

وقوله تعالى : { خالق كل شيء } مخلوق ، وما يستحيل أن يكون مخلوقاً كالقرآن والصفات فليس يدخل في هذا العموم ، وهذا كما قال تعالى : { تدمر كل شيء }{[10016]} معناه كل شيء مبعوث لتدميره .

وقرأت فرقة : «تؤفكون » بالتاء ، وقرأت فرقة : «يؤفكون » بالياء ، والمعنى في القراءة الأولى قل لهم .

و : { تؤفكون } معناه : تصرفون على طريق النظر والهدى ، وهذا تقرير بمعنى التوبيخ والتقريع .


[10016]:من الآية (25) من سورة (الأحقاف).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (62)

اتصل الكلام على دلائِل التفرد بالإِلهية من قوله : { ذلكم الله رَبُّكُم خالق كلِّ شَيءٍ } إلى قوله : { مُخْلِصين له الدِّينَ } [ غافر : 62 65 ] اتصالَ الأدلة بالمستدل عليه .

والإِشارة ب { ذلكم } إلى اسم الجلالة في قوله : { الله الَّذِي جَعَلَ لَكُم الليْلَ لِتَسْكنوا فِيه } [ غافر : 61 ] . وعدل عن الضمير إلى اسم الإِشارة لإِفادة أنه تعالى معلوم متميز بأفعاله المنفرد بها بحيث إذا ذكرت أفعاله تميز عما سواه فصار كالمشاهد المشار إليه ، فكيف تلتبس إلهيته بإلهية مزعومة للأصنام فليست للذين أشركوا به شبهة تلبِّس عليهم ما لا يفعلُ مثلَ فعله ، أي ذلكم ربكم لا غيره وفي اسم الإِشارة هذا تعريض بغباوة المخاطبين الذين التبست عليهم حقيقة إلهيته .

وقوله : { الله رَبُّكم خالق كل شَيْءٍ لا إله إلا هُو } أخبار أربعة عن اسم الإِشارة ، ابتدىء فيها بالاسم الجامع لصفات الإِلهية إجمالاً ، وأردف ب { ربكم } أي الذي دبر خلق الناس وهيّأ لهم ما به قوام حياتهم . ولما كان في معنى الربوبية من معنى الخلق ما هو خَلْق خاص بالبشر بأنه خالق الأشياء كلها كما خلقهم ، وأردف بنفي الإِلهية عن غيره فجاءت مضامين هذه الأخبار الأربعة مترتبة بطريقة الترقّي ، وكان رابعها نتيجة لها ، ثم فرع عليها استفهام تعجيبي من انصرافهم عن عبادته إلى جانب عبادة غيره مع وضوح فساد إعراضهم عن عبادته .

و { أَنَّى } اسم استفهام عن الكيفية ، وأصله استفهام عن المكان فإذا جعلوا الحالة في معنى الجانب ومثار الشيء استفهموا ب ( أنّى ) عن الحالة ويشعر بذلك قوله تعالى : { أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة } في سورة [ الأنعام : 101 ] .

و { تؤفكون } تُصرفون ، وتقدم في قوله تعالى : { قاتلهم اللَّه أنّى يؤفكون } في سورة [ براءة : 30 ] ، وبناؤه للمجهول لإِجمال بسبب إعراضهم إذ سيُبين بحاصل الجملة بعده .