تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُتَرَبِّصِينَ} (31)

قال الله تعالى : { قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ } أي : انتظروا فإني منتظر معكم ، وستعلمون لمن تكون العاقبة والنّصرة في الدنيا والآخرة .

قال محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نَجِيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : إن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم : احتبسوه {[27517]} في وثاق ، ثم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك ، كما هلك من هلك قبله من الشعراء : زهير والنابغة ، إنما هو كأحدهم . فأنزل الله في ذلك من قولهم : { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ } {[27518]} .


[27517]:- (3) في أ: "احبسوه".
[27518]:- (4) رواه الطبري في تفسيره (27/19) من طريق ابن إسحاق به
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُتَرَبِّصِينَ} (31)

وقوله : قُلْ تَرَبّصُوا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يقولون لك : إنك شاعر نتربص بك ريب المنون ، تربصوا : أي انتظروا وتمهَلوا فيّ ريب المنون ، فإني معكم من المتربصين بكم ، حتى يأتي أمر الله فيكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُتَرَبِّصِينَ} (31)

وقوله تعالى : { قل تربصوا } وعيد في صيغة أمر ، و : { المنون } من أسماء الموت ، وبه فسر ابن عباس ، ومن أسماء الدهر أيضاً ، وبه فسر مجاهد وقال الأصمعي : { المنون } واحد لا جمع له وقال الأخفش : هو جمع لا واحد له .

قال القاضي أبو محمد : والريب هنا : الحوادث والمصائب ، لأنها تريب من نزلت به ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في أمر ابنته فاطمة حين ذكر أن علياً يتزوج بنت أبي جهل : «إنما فاطمة بضعة مني ، يريبني ما أرابها »{[10653]} . يقال أراب وراب ، ومنه : [ الطويل ]

فقد رابني منها الغداة سفورها . . . {[10654]}

وقوله الآخر : [ المتقارب ]

وقد رابني قولها يا هنا ه . . . {[10655]}

وأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بتوعدهم بقوله : { قل تربصوا فإني معكم من المتربصين } .


[10653]:حديث فاطمة رضي الله عنها المشار إليه هنا أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، والترمذي في المناقب، وابن ماجه في النكاح، وهو عن المِسور بن مخرمة، من طرق مختلفة، وفيه-واللفظ لمسلم- أن المِسور سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وهو يقول: (إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها)، وفي رواية:(وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حرما، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله مكانا واحدا أبدا)، وفي رواية ثالثة:(وإنها والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد أبدا)، قال الراوي: فترك علي الخِطبة.
[10654]:هذا عجز بيت قاله توبة بن الحُمير في ليلى بنت عبد الله بن الرحالة التي أحبها وقال فيها الشعر ولما خطبها إلى أبيها رفض أن يزوجه إياها، والبيت بتمامه: وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت فقد رابني منها الغداة سفورها وكان من خبر توبة أنه كان يزور ليلى بعد ان تزوجت في بني الأدلع، وجاء يوما لزيارتها فإذا هي سافرة لتحذره، ولم ير منها البشاشة التي تعودها، فعلم أن ذلك لأمر ما، فرجع إلى راحلته فركبها ومضى، وتابعه بنو الأدلع ولكنه فاتهم، وقال في ذلك قصيدة منها هذا البيت، والشاهد أن"راب" في البيت بمعنى: فعل ما يُريب، فهي مثل أراب، قال ابن الأثير: هما بمعنى شككني.
[10655]:هذا صدر بيت قاله امرؤ القيس من قصيدة له يصف فيها فرسه وخروجه إلى الصيد، والبيت بتمامه: وقد رابني قولها يا هنا ه ويحك ألحقت شرا بشر والبيت في السان، وقدذكره شاهدا على أن"هناه" اسم من أسماء النداء، ومعناه:"يا فلان"، قال:"وقولهم: يا هن أقبل، يا رجل أقبل، ويا هنان أقبلا، ويا هنون أقبلوا، ولك أن تدخل فيه الهاء لبيان الحركة فتقول: يا هنه، كما تقول: لِمه وسُلطانيه، ولك أن تشبع الحركة فتتولد ألف فتقول: يا هناة أقبل، وهذه اللفظة تختص بالنداء خاصة، والهاء في آخره تصير تاء في الوصل، ولك أن تقول:"يا هناه أقبل" بهاء مضمومة...وأنشد أبو زيد لامرئ القيس:(وقد رابني...البيت). يعني: كنا مُتهمين فحققت الأمر"، والشاهد هنا كالشاهد في البيت السابق. ولكن قيل: إن"أرابني في كذا" معناها: شكّكني وأوهمني الريبة فيه، فإذا استيقنت قلت:"رابني" بغير ألف.راجع اللسان.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قُلۡ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُتَرَبِّصِينَ} (31)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قل تربصوا} بمحمد الموت.

{فإني معكم من المتربصين} بكم العذاب، فقتلهم الله ببدر...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"قُلْ تَرَبّصُوا "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يقولون لك: إنك شاعر نتربص بك ريب المنون، تربصوا: أي انتظروا وتمهَّلوا فيّ ريب المنون، فإني معكم من المتربصين بكم، حتى يأتي أمر الله فيكم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{قل تربّصوا فإني معكم من المتربّصين} أي تربّصوا ذلك فإني متربّصٌ ذلك بكم؛ فكانوا جميعا أو عامتهم، أعني الذين قالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه {شاعر نتربّص به ريب المنون} أُهلكوا قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلّ بهم ما ظنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

"قل" لهم يا محمد: "تربصوا فاني معكم من المتربصين" فالتربص: هو الانتظار بالشيء انقلاب حال إلى خلافها. والمعنى: إنكم إن تربصتم بي حوادث الدهر والهلاك، فإني معكم من المنتظرين لمثل ذلك، فتربص الكفار بالنبي (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين قبيح، وتربص النبي والمؤمنين بالكفار وتوقعهم لهلاكهم حسن، وقوله "فتربصوا" وإن كان بصيغة الأمر فالمراد به التهديد...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

والريب هنا: الحوادث والمصائب، لأنها تريب من نزلت به ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في أمر ابنته فاطمة حين ذكر أن علياً يتزوج بنت أبي جهل: «إنما فاطمة بضعة مني، يريبني ما أرابها»...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فإني معكم} وأكده تنبيهاً على أنه يرجو الفرح بمصيبتهم كما يرجون الفرح بمصيبته وإن كانت كثرتهم وقوتهم عندهم مانعة من مثل هذا التربص {من المتربصين} أي العريقين في التربص وإن ظننتم خلاف ذلك، وأشار بالمعية إلى أنه مساو لهم في ذلك وإن ظنوا لكثرتهم وقوتهم ووحدته وضعفه أن الأمر خلاف ذلك.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وتأكيد الخبر ب (إن) في قوله: {فإني معكم من المتربصين} لتنزيل المخاطبين منزلة من ينكر أنه يتربص بهم كما يتربصون به لأنهم لغرورهم اقتصروا على أنهم يتربصون به ليروا هلاكه...

والأمر في {تربصوا} مستعمل في التسوية، أي سواء عندي تربصكم بي وعدمه... {فإني معكم من المتربصين} أي فإني متربص بكم مثل ما تتربصون بي إذ لا ندري أينا يصيبه ريب المنون قبل...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنّي مَعَكُمْ مّنَ الْمُتَرَبّصِينَ} لأن الانتظار لن يوصلكم إلى ما تريدون، ذلك أن الرسالة ستفرض نفسها على الواقع...

لأنها وحي الله الذي يرعى رسالاته، بما يرعى به الوجود كله، وهذا هو الفرق بين انتظار الرسول وانتظار خصومه، فهم ينتظرون موت الرسول لانتهاء الرسالة لأنهم يربطونها بحياته كشخص في تفكيرهم، أمّا الرسول، فينتظر انتصار رسالته، ويترقب انفتاح قلوبهم على الحق من حيث يريدون أو لا يريدون، كما ينتظر عذاب الله الذي يحل بهم في الدنيا والآخرة إذا أصرّوا على شركهم وانحرافهم. ومن هنا كان الرسول هو الأقوى في التربص، بينما كانوا في موقف الضعف..