تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَتَخَٰفَتُونَ بَيۡنَهُمۡ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا عَشۡرٗا} (103)

{ يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ } قال ابن عباس : يتسارّون{[19494]} بينهم ، أي : يقول بعضهم لبعض : { إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا عَشْرًا } أي : في الدار الدنيا ، لقد كان لبثكم فيها قليلا عشرة أيام أو نحوها .


[19494]:في ف: "يتشاورون".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَتَخَٰفَتُونَ بَيۡنَهُمۡ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا عَشۡرٗا} (103)

وقوله : " يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إنْ لَبِثْتُمْ إلاّ عَشْرا " يقول تعالى ذكره : يتهامسون بينهم ، ويسرّ بعضهم إلى بعض : إن لبثتم في الدنيا ، يعني أنهم يقول بعضهم لبعض : ما لبثتم في الدنيا إلا عشرا . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : " يَتَخافَتُون بَيْنَهُمْ " يقول : يتسَارّون بينهم .

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ : أي يتسارّون بينهم إنْ لَبِثْتُمْ إلاّ عَشْرا " .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَتَخَٰفَتُونَ بَيۡنَهُمۡ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا عَشۡرٗا} (103)

{ يتخافتون بينهم } يخفضون أصواتهم لما يملأ صدورهم من الرعب والهول والخفت خفض الصوت وإخفاؤه . { إن } ما { لبثتم إلا عشرا } أي في الدنيا يستقصرون مدة لبثهم فيها لزوالها ، أو لاستطالتهم مدة الآخرة أو لتأسفهم عليها لما عاينوا الشدائد وعلموا أنهم استحقوها على إضاعتها في قضاء الأوطار واتباع الشهوات ، أو في القبر لقوله { ويوم تقوم الساعة } إلى آخر الآيات .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَتَخَٰفَتُونَ بَيۡنَهُمۡ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا عَشۡرٗا} (103)

التخافت : الكلام الخفي من خوف ونحوه . وتخافتهم لأجل ما يملأ صدورهم من هول ذلك اليوم كقوله تعالى : { وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً } [ طه : 108 ] .

وجملة { إن لَّبِثْتُم إلاَّ عَشْراً } مبيّنة لجملة { يتخافتون } ، وهم قد علموا أنهم كانوا أمواتاً ورفاتاً فأحياهم الله فاستيقنوا ضلالهم إذ كانوا ينكرون الحشر .

ولعلهم أرادوا الاعتذار لخطئهم في إنكار الإحياء بعد انقراض أجزاء البدن مبالغة في المكابرة ، فزعموا أنهم ما لبثوا في القبور إلاّ عشرَ ليال فلم يصيروا رفاتاً ، وذلك لما بقي في نفوسهم من استحالة الإحياء بعد تفرق الأوصال ، فزعموا أن إحياءهم ما كان إلا بردّ الأرواح إلى الأجساد . فالمراد باللبث : المكث في القبور ، كقوله تعالى : { قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم } في سورة المؤمنين ( 112 ، 113 ) ، وقوله { ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون } في سورة الروم ( 55 ) .

و ( إذ ) ظرف ، أي يتخافتون في وقت يقول فيه أمثلهم طريقةً . والأمثل : الأرجح الأفضل . والمَثالة : الفضل ، أي صاحب الطريقة المثلى لأن النسبة في الحقيقة للتمييز .

والطريقة : الحالة والسنّة والرأي ، والمراد هنا الرأي ، وتقدم في قوله { ويذهبا بطريقتكم المثلى } [ طه : 63 ] في هذه السورة ، ولم يأت المفسرون في معنى وصف القائل { إن لبثتم إلا يوماً } بأنه أمثل طريقة بوجه تطمئن له النفس .

والذي أراه : أنه يحتمل الحقيقة والمجاز ؛ فإن سلكنا به مسلك الحمل على الحقيقة كان المعنى أنه أقربهم إلى اختلاق الاعتذار عن خطئهم في إنكارهم البعث بأنهم ظنوا البعث واقعاً بعد طول المكث في الأرض طولاً تتلاشى فيه أجزاء الأجسام ، فلما وجدوا أجسادهم كاملة مثل ما كانوا في الدنيا قال بعضهم { إن لبثتم إلا عشراً } ، فكان ذلك القول عذراً لأن عشر الليالي تتغيّر في مثلها الأجسام . فكان الذي قال { إن لبثتم إلا يوماً } أقرب إلى رواج الاعتذار . فالمراد : أنه الأمثل من بينهم في المعاذير ، وليس المراد أنه مصيب .

وإن سلكنا به مسلك المجاز فهو تهكم بالقائل في سوء تقديره من لبثهم في القبور ، فلما كان كلا التقديرين متوغّلاً في الغلظ مؤذناً بجهل المقدّرين واستِبهام الأمر عليهم دالاً على الجهل بعظيم قدرة الله تعالى الذي قَضّى الأزمانَ الطويلة والأممَ العظيمة وأعادهم بعد القرون الغابرة ، فكان الذي قدر زمن المكث في القبور بأقلِّ قَدْر أوغل في الغلط فعُبر عنه ب { أمْثَلُهُم طَرِيقَةً } تهكماً به وبهم معاً إذ استوى الجميع في الخطأ .