إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَتَخَٰفَتُونَ بَيۡنَهُمۡ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا عَشۡرٗا} (103)

وقوله تعالى : { يتخافتون بَيْنَهُمْ } أي يخفِضون أصواتَهم ويُخفونها لما يملأ صدورَهم من الرعب والهول ، استئنافٌ ببيان ما يأتون وما يذرون حينئذ ، أو حالٌ أخرى من المجرمين أي يقول بعضُهم لبعض بطريق المخافتة : { إِن لَّبِثْتُمْ } أي ما لبثتم في الدنيا { إِلاَّ عَشْراً } أي عشرَ ليالٍ استقصاراً لمدة لبثهم فيها لزوالها أو لاستطالتهم مدةَ الآخرة لتأسفهم عليها لمّا عاينوا الشدائدَ وأيقنوا أنهم استحقوها على إضاعتها في قضاء الأوطارِ واتّباعِ الشهوات ، أو في القبر وهو الأنسبُ بحالهم فإنهم حين يشاهدون البعثَ الذي كانوا يُنكِرونه في الدنيا ويعُدّونه من قبيل المُحالات لا يتمالكون من أن يقولوا ذلك اعترافاً به وتحقيقاً لسرعة وقوعِه ، كأنهم قالوا : قد بُعثتم وما لبثتم في القبر إلا مدةً يسيرة ، وإلا فحالُهم أفظعُ من أن تمكّنهم من الاشتغال بتذكر أيامِ النعمة والسرورِ واستقصارِها والتأسف عليها .