قوله : { يَتَخَافَتُونَ } يجوزُ أن يكون مستأنفاً ، وأن يكونَ حالاً ثانية من " المُجْرِمينَ " {[26745]} ، وأن يكونَ حالاً من الضمير المستتر في " زرقاً " {[26746]} فتكون حالاً متداخلة{[26747]} ، إذ هي حال ( من حال ){[26748]} . ومعنى " يَتَخَافَتُونَ " أي : يتشاوَرُونَ فيما بينهم ، ويتكلمون خفية{[26749]} ، يقال : خَفَتَ يَخْفِتُ ، وخَافَتَ مُخَافَتَة{[26750]} ، والتَّخافُت السرار نظيره قوله تعالى{[26751]} : { فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً }{[26752]} ، وإنما يتخافتون ، لأنه امتلأت صدورُهُمْ من الرعب والهول ، أو لأنهم بسبب{[26753]} الخوفِ صارُوا في نهاية الضعف فلا يطيقون الجهر{[26754]} . وقوله : { إن لَبِثْتُمْ }{[26755]} هو مفعول المارة{[26756]} ، وقوله : { إلاَّ عَشْراً } يجوز أن يراد الليالي ، وحذف التاء من العدد قياسي{[26757]} . وأن يراد الأيام ، فيُسْأَل لِمَ حذفت التاء ؟ فقيل{[26758]} : إنه إذا لم يذكر المميز في عدد المذكر جازت التاء وعدمها{[26759]} ، سمع من كلامهم : صُمْنَا من الشهر خَمْساً{[26760]} ، والصَّوْمُ إنما هو الأيام{[26761]} ، دون اللَّيالي . وفي الحديث " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وأتْبَعَهُ بستّ مِنْ شَوَّال " {[26762]} ، وحسن الحذف هنا لكونه رأس آية وفاصلة{[26763]} .
فصل{[26764]}
قال الحسن وقتادةَ والضحَّاك : أرادوا به{[26765]} اللبث في الدنيا ، أي فما مكثتم في الدُّنْيَا إلا عشر ليال ، واحتجُّوا بقوله تعالى : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرض عَدَدَ سِنِينَ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ }{[26766]} {[26767]}
فإن قيل{[26768]} : إما ( أن يقال ){[26769]} : إنهم قد{[26770]} نسَوا قدرَ لبثهم في الدنيا أو{[26771]} ما نَسوا ذلك والأول غير جائز ، إذ لو جاز ذلك لجاز أن يبقى الإنسان خمسين سنة في بلدة ثم يَنْسَى .
والثاني غير جائز ، لأنه كذب ، وأهل الآخرة لا يكذبون لا سيَّما وهذا الكذب لا فائدة فيه .
الأول : لعلَّهم إذا حُشِرُوا في أول الأمر وعاينوا تِلْكَ الأهوال وشدة وقعها ذهلوا عن مقدار عمرهم في الدُّنيا ، ولم{[26772]} يذكروا إلا القليل فقالوا : ليتَنا ما عِشْنَا إلا{[26773]} تلك الأيام القليلة في الدنيا حتى لا نَقَع في هذه الأهوال ، والإنسان قد يذهل عند الهول الشديد ، وتمام تقريره مذكورة في سورة الأنعام في قوله تعالى{[26774]} : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ }{[26775]} .
وثانيها{[26776]} : أنهم عالِمون بمقدار عمرهم في الدنيا إلا أنَّهُم لمّا قَابَلُوا أَعْمَارَهُمْ في الدنيا بأعمارِ الآخرة وجدُوهَا في نهاية القلة ، فقال بعضهم : ما لبثْنَا في الدنيا إلا عشرة أيام ، وقال أعْقَلُهُمْ : ما لبثنا إلا يوماً واحداً ، أي : قدر لبثنا في الدنيا بالقياس إلى قدر لبثنا في الآخرة كعشرة أيام بل كاليوم الواحد بل كالعدم ، وإنما خصَّ العشرة والواحد{[26777]} بالذكر ، لأن القليل في أمثال هذه المواضع لا يعبر عنه إلا بالعشرة والواحد .
وثالثها{[26778]} : أنهم لما عايَنُوا الشدائد تذكَّروا أيام النعمة{[26779]} والسرور ، وتأسفوا عليها ، وصفوها بالقصر ، لأن أيام السرور قصار .
ورابعها{[26780]} : أن أيامَ الدنيا قد انقضت وأيام الآخرة مستقبلة ، والذاهب وإن طالت مدته قليل{[26781]} بالقياس إلى الآتي وإن قصرت مدته ، فكيف والأمر بالعكس . ولهذه{[26782]} الوجوه رجَّح الله تعالى قول مَنْ بالغ في التقليل{[26783]} فقال : { إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } . وقيل : المراد منه اللبث في القبر ، ويؤيده قوله تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُقْسِمُ المجرمون مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ{[26784]} وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان{[26785]} لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ الله إلى يَوْمِ البعث }{[26786]} .
( فأما من جوَّز الكذب على أهل القيامة فلا إشكال له في الآية ){[26787]} ، أما من لم يجوزه قال : إن{[26788]} الله تعالى لما أحْيَاهم في الفترة وعذَّبهم ، ثم أماتهم ثم بعثهم{[26789]} يوم القيامة لم يعرفوا مقدار لبثهم في القبر كم كان ؟ فخطر ببال بعضهم أنه في التقدير عشرة أيام .
وقال آخرون : إنه يوم واحد ، فلمَّا وَقَعُوا في العذاب مرة أخرى استثقلوا زمانَ الموت الذي هو زمان الخلاص لِمَا نالهم من هول العذاب{[26790]} .
وقيل : المراد باللبث بين النفختين ، وهو أربعون سنة ، لأن العذاب يرفع عنهم بين النفختين ، استقصروا مدة لبثهم لهول{[26791]} ما عاينوا{[26792]} . والأكثرون على أنَّ قوله{[26793]} : { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } أي عشرة أيام ، فيكون قولُ مَنْ قال { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } أقل ، وقال مقاتل : { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } أي ساعات ، لقوله ( تعالى : { كَأَنَّهُمْ ){[26794]} يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا }{[26795]} وعلى هذا يكون اليوم أكثر{[26796]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.